يلازمانه. أما الغيرة أو الأنفة الشديدة فقد حملته على بضعه لانكاح الحرم جملة، وأما سوء الظن فإنه امتد حتى شمل الرجال، وقد ظل يراه حزماً ما لم يخرج عن حدود الدين. كذلك استمر لديه التحمل للأذى والصبر على الألم من الخصوم والإخوان على السواء، حتى اتهمه بعضهم بتبلد الإحساس في هذه الناحية، وهو يرد على ذلك بان الإحساس بالألم في مثل ذلك أمر طبيعي ولكن كل ما هنالك أنه راض نفسه على عدم الثورة والهياج والتخبط، ولكنه يستطيع ان يرد بكلام مؤلم دون إفحاش متحرياً الصدق فيما يقول.
كذلك اتهم بأنه مذل بأسرار إخوانه، ولعل في هذا إشارة إلى كتاب الطوق نفسه إذ كشف فيه أسرار كثيرين ممن عرفهم، وكان الناس في أيامه يعرفونهم حتى وان لم يذكر أسماءهم؛ كما اتهموه بأنه يسمع الذم في اخوانه ولا يمتعض لهم، ويرد على هذه التهمة بأنه يمتعض امتعاضاً رقيقاً، يحمل الذام على الندم والاعتذار والخجل، دون مهارشة له أو استثارة لغضبه، لان ذلك قد يحمله على التمادي في ذم أحد إخوانه، ويتعدى الذم إلى سب الأبوين وإلى السفه والبذاءة.
وأخذ عليه أنه متلف لماله، ولابد أن تكون هذه التهمة بعد إذ أصبح يستطيع الحصول على مال يمكن التوفير فيه، وهذه الحال غير مستنكرة في من عانى شظف العيش بعد استقرار ورفاهية، واني لأظنها مأخذاً صحيحاً، ولكن ابن حزم يعتذر عنها بأنه لا يتلف من ماله إلا ما فيه حفظ دينه من النقص وعرضه من الأخلاق ونفسه من التعب، وكأني به يقر بتلك الخصلة على نحو غير مباشر.
ويطالعنا ابن حزم بخصلة كانت فيه ليس من السهل أن يستشف من مؤلفاته، وهي دعابة غالية، وتلك صفة حاول فيها الاعتدال بتجنب ما يغضب الممازح، وظل يحتفظ منها بالقسط الذي لا يؤذي الآخرين. وقد نحمل عليها ثلاثة مواقف في الطوق أولها: أن ابن حزم توقف في