للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجل، من ذلك قوله {فاعلم أنه لا إله إلا هو} (محمد: ١٩) والمقلد غير عالم ولا عارف، فإنما المأمور بهذا العلم هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، المأمور بعقب هذا الأمر بالاستغفار للمؤمنين، وهو عليه السلام قد علم الله تعالى بأعظم البراهين، من مشاهدة الملائكة، ومشاهدة السموات سماء سماء، ومكالمة الله تعالى، ورؤية المعجزات على يده، فهو المأمور بالعلم حقاً، وأما سائر الناس فلم يؤمروا قط بهذا، وإنما أمروا بان يقولوا شهادة الإسلام بألسنتهم ويعتقدوها بقلوبهم، فهذا هو الذي أمروا به حتى لا تجد انهم أمروا بغير ذلك أصلاً. فمن شرهت نفسه إلى العلم المحقق فليطلب الاستدلال، كما فعل إبراهيم عليه السلام [٩٤ ب] في إحياء الطير، ومن لم تنازعه نفسه، فلو فعل ذلك لكان حسناً؛ ومن لم يفعل، لم يخرج بذلك من كونه من أهل الحق إذا وقفه الله تعالى.

١٦ - وأما قولك: وأريد أن تتأمل قولك: لا يلزم من معرفة الباري تعالى والنبوة إلا (١) ما دعاهم إليه نبيهم المختوم به الرسل من صحة الاعتقاد: هل (٢) الذي دعاهم إليه من الاعتقاد هو المعرفة أو غيرها فإن كانت المعرفة، فلا تكون إلا بتقديم البراهين وإلا كانت غير معرفة. وإن كانت غيرها فالمعرفة لم تفرض، وغنما فرض غيرها؛ ويجب أن تعرف ما ذلك المفترض، وفي إيثار هذا الكلام ما فيه - فنعم يا أخي قد تأملته جداً وأنا ثابت عليهن والحمد لله رب العالمين. وأنا أكرره فأقول: لم يفترض الله تعالى على الناس قط [إلا] (٣) الإقرار بألسنتهم بدعوة الإسلام واعتقاد تحقيقها بقلوبهم فقط؛ وأما المعرفة التي لا تكون إلا ببرهان فما كلفوها قط. وأما من عبر (٤) عن صحة الاعتقاد بالمعرفة فإن الجواب عن هذا دخول في استعمال الألفاظ المشتركة التي استعمالها أس البلاء. لكن نقول لك: عن كنت تعبر بالمعرفة عن صحة الاعتقاد للحق، فالناس مكفلون هذا. وإن كنت تعني بقولك المعرفة: العلم المتولد عن البرهان فما كلف الناس قط هذا. وهذا علم الأنبياء عليهم السلام ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم وجميع أمته بعده حتى حدث من تعرف، فأتوا بقول إذا حققته لزم التقصير البين للنبي صلى الله عليه وسلم ولأئمة المسلمين بعده.


(١) ص: إلى.
(٢) ص: هل هو.
(٣) زيادة لازمة.
(٤) ص: غير.

<<  <  ج: ص:  >  >>