للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

١٧ - وأما قولك لي: وأرغب أن تتأمل قولك " حاشا من كان عقده انه لو كان أبوه يهودياً أو نصرانياً لكان يهودياً أو نصرانياً، فهذا ليس عقده بصحيح (١) . ثم قلت أنت: وهل من لم يكن عارفاً بالأدلة ولا واثقاً بها وكان مقلداً إلا على ذلك وهل يرتفع أحد من هذا العقد الذي ليس بصحيح عندك [٩٥/أ] حتى يعتقد الدين، لا لان آباءه اعتقدوه ولا أن قومه اعتقدوه إلا عن معرفة بالبراهين الصحيحة ومعرفة الحق مجرداً، وإنما لحظت هذا وما تصل به، لان (٢) الدليل الذي اقتصرت عليه ليس بصحيح عندك؛ فغن الرسول لم يقتصر (٣) على دعواه فيما دعا إليه ولا رضي عمن (٤) قلده - هذا نص قولك - فاعلم يا أخي أن كل من اعتقد الحق عن غير استدلال فليس على ما ذكرت، بل أكثر الأمة والحمد لله ممن لا يدري يتهجي لفظة " استدلال " فكيف أن يعرف معناها، تجده لو خير بين أن يعذب بأنواع العذاب، إلى انقضاء عمر الدنيا، وبين أن يفارق الإسلام لتخير بلا شك أنواع العذاب، ونجده لو كفر أبوه وأهل بلاده بعد أن يفارق الإسلام لتخير بلا شك أنواع العذاب، ونجده لو كفر أبوه وأهل بلاده بعد ان تحقق عقد الإسلام في قلبه، لاستحل دم أبيه وولده وأهل بلده، وهذا أمر تشاهده بنفسك من أكثر العوام الذين أنت تدري انهم لم يعرفوا الدين قط من طريق الاستدلال. وأما من تعتقد انه لو كفر أهل بلده لكفر هو معهم، فهذا عند الناس كلهم كافر غير صحيح لاعتقاده، فتأمل هذا تجده كما أقول لك أيضاً، والله أعلم.

١٨ - وأما قولك لي: إن الرسول عليه السلام لم يقتصر على دعواه فيما دعا إليه ولا رضي عمن قلده، فكلام غير محقق، بل ما اقتصر قط عليه السلام إلا على دعائه فقط، إلا من طالبه بآية، فحينئذ أتاه بها، وأما من لم يطلبه بها فما قال له عليه السلام قط: لا تؤمن حتى ترى آية، وما زال عليه السلام راضياً عمن اتبعه ورضي به، وغن لم يطلبه بدليل على ما أورد بعد هذا إن شاء الله تعالى، فصح أن الدليل الذي استدللت به في غاية الصحة، وانه عيان مشهور منقول نقل الكواف، لا معترض فيه، والحمد لله رب العالمين.

١٩ - وأما قولك في الخبر الصحيح (٥) : " وأما المنافق أو المرتاب [٩٥ ب] فهو


(١) ص: صحيح.
(٢) ص: بأن.
(٣) ص: وأن الرسول يقصر.
(٤) ص: من.
(٥) أورد البخاري هذا الحديث في كتاب العلم وكتاب الكسوف وكتاب الجمعة، وهو بصورته هذه من حديث أسماء في سؤال القبر: فأما المؤمن أو قال الموقن - شك هشام - فيقول (إذا سئل عن النبي) هو رسول الله هو محمد صلى الله عليه وسلم جاءنا بالبينات والهدى فآمنا واتبعنا وصدقنا فيقال له نم صالحاً قد كان نعلم إنك لتؤمن به، وأما المنافق أو قال المرتاب - شك هشام - فيقال له ما علمك بهذا الرجل فيقول لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئاً فقلت (وفي نسخة فقلته) . وانظر ابن ماجه (زهد: ٣٢) والترميذي (جنائر: ٧٠) ابن حزم، في هذا الخبر أن الرسول قال: المنافق والمرتاب ولم يقل غير المستدل فاللفظ لا يسعف خصوم ابن حزم، ثم إن المنافق والمرتاب مقلدان للناس لا محققان، والتقليد شيء غير الاستدلال.

<<  <  ج: ص:  >  >>