للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن أسخف ممن يحتج بقول الكفار في النبي، صلى الله عليه وسلم، به جنة، فقولهم كله باطل وزور وإفك.

٢٦ - وأما ما كرت من قول بعض المفسرين: إن الشيطان ألقى ذلك على لسان نبيه، فحاشا لله من هذا. وهذا هو الكذب، والرواية في هذا باطل، ومعاذ الله أن يسلط الله شيطاناً يتكلم على لسان نبيه، عليه السلام، وهو تعالى [يقول] {وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى} (النجم: ٣، ٤) ومع هذا، فما أدري ما هذا العقل الذي يسمع فيه هذا الحمق، وهذا لا يجوز إلا على سكران أو موسوس أو مبرسم يهذي ويتكلم بما لا يدري ولا يعرفه، فكيف ان يظن هذا بالنبي أنه تكلم بالكفر وهو لا يدري ألا إن هذا هو الضلال.

٢٧ - وأما كلام الشيطان على لسان المصروع فهذا من مخاريق العزامين (١) ولا يجوز إلا في عقول ضعفاء العجائز، ونحن نسمع المصروع يحرك لسانه بالكلام، فكيف صار لسانه لسان الشيطان عن هذا لتخليط ما شئت. وإنما يلقي الشيطان في النفس يوسوس فيها، كما قال الله تعالى {يوسوس في صدور الناس} (الناس: ٥) وكما قال تعالى {إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته} (الحج: ٥٢) فهذا هو فعل الشيطان فقط، وأما أن يتكلم على لسان أحد فحمق عتيق وجنون ظاهر، فنعوذ بالله من الخذلان والتصديق بالخرافات.

٢٨ - وأما قولك فيما جاء أن [الصداقة] (٢) تنسأ في الأجل، فلا يصح أصلاً، وغنما صح أن صلة الرحم تزيد في العمر وتنسأ الأجل، ومعنى هذا أن الله تعالى قد سبق في علمه أن جعل صلة الرحم سبباً لبلوغ المدة [٢٣١ ب] التي قدرها له، كما جعل الغذاء والماء سبباً، والتنفس سبباً، لبلوغ المدة التي قدرها لنا، ولا فرق.

٢٩ - وأما سؤالك عن قوله تعالى {إذا حضر أحدكم الموت} الآية (المائدة: ١٠٦) فغن الناس اختلفوا فيها، فقالت طائفة: هي منسوخة. قال أبو محمد: وهذا خطأ لا يحل القول به، ولا يحل أن يقال في شيء من القرآن إنه منسوخ بالظن، إلا بنص جلي يبين أنها منسوخة، أو بإجماع على ذلك، ولا إجماع في ذلك


(١) ص: العوامين؛ والعزامين أراه الذين يستعملون العزائم وهي الرقى.
(٢) زيادة تقديرية.

<<  <  ج: ص:  >  >>