للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علم السياسة. علم المعاد.

ويتضح من هذا كله مدى التغييرات التي أحدثوها في مناهج ن سبقهم إضافةً وتعديلاتن فقد حشدوا الأمور النفعية التي تتطلبها الحياة اليومية أو ترغب فيها تحت عنوان جديد هو العلوم الرياضية (دون أن يكون للطب أي وجود في نظامهم) ، وتنبهوا لأول مرة إلى علم السير والأخبار، وآثروا كلمة " تأويل " على كلمة " تفسير " خدمةً لمعتقداتهم الإسماعيلية، وعدوا المواعظ والزهد والتصوف لأول مرة علماً، وجعلوا تأويل المنامات تحت العلوم الشرعية، ولم يغيروا شيئاً في تصنيف المنطقيات والطبيعات عما جاء عند الفارابي، ولكنهم جعلوا السياسة في الإلاهيات، وهو شيء لا وجود له في النموذج اليوناني، كما أن مفهوم للروحانيات (التي هي ملائكة الله وخالص عباده) والنفسانيات (التي هي معرفة النفوس والأرواح السارية في الأجسام الفلكية والطبيعية) وإضافتهم علم المعاد (وهو كيفية انبعاث الأرواح من ظلمة الأجساد وحشرها لحساب يوم الدين) كل ذلك إلى استغراقهم في توصيل معتقداتهم الخاصة إلى الآخرين، وتلك هي غايتهم الكبرى من مجموع الرسائل.

وموقف ابن سينا في تصنيف العلوم مقارب لموقف إخوان الصفا، وأغلب الظن أنه متأثر بهم، فقد كان أبوه إسماعيلياً على ما حكى في سيرته، ولكنه أشد حذراً منهم، وأكثر التزاماً بالمفهوم الأرسطاطاليسي (١) . فالسياسة والأخلاق عنده ما يزالان كما هما عند الفارابي من العلم المدني (أو الحكمة العملية) إلا أنه يضيف إليهما ما يتعلق بالنبوة والشريعة، ويجعل الطب والتنجيم والفراسة والتعبير والطلسمات والنيرنجات والكيمياء فروعاً من الحكمة الطبيعية، ويعد عمليات الحساب وعلم المساحة والحيل وجر الأثقال والموزاين ونقل المياه والزيجات والتقاويم متفرعة من العلوم الرياضية. ويكاد اللقاء بين ابن سينا وإخوان الصفا يكون تاماً في ما يشمله العلم الإلاهي (بعد إسقاط علم السياسة) ، فهذا العلم يتكون في نظره من خمسة أصول: النظر في معرفة المعاني العامة لجميع الموجودات ن الهوية والوحدة والكثرة والوفاق والخلاف ...

الخ النظر في الأصول والمبادي، النظر في إثبات الحق الأول وتوحيده، النظر في


(١) يخرج ابن سينا بعض الشيء عن مفهوم أرسطاطاليس، ذلك في منطق المشرقيين (ص: ٦) حين يجعل العلوم النظرية أربعة: العلم الطبيعي والعلم الرياضي والعلم الإلهي والعلم الكلي (والكتاب ناقص لا يفي بما وعد به في المقدمة ولذلك فليس واضحاً ما يعنيه بالعلم الكلي) .

<<  <  ج: ص:  >  >>