للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إثبات الجواهر الأول الروحانية، تسخير الجواهر الجسمانية السماوية والأرضية لتلك الجواهر الروحانية؛ تلك هي أصول العلم الإلاهي، أما الفروع فهي كيفية نزول الوحي، والجواهر الروحانية التي تؤدي الوحي، وعلم المعاد (١) .

ويكرر أبو الحسن العامري تصور الكندي للعلوم من أنها علوم هي آلة كالمنطق واللغة وعلوم مقصودة لذاتها، إلا أنه أوضح وأصرح من الكندي حين يجعل العلوم الملية موازية للعلوم الحكمية من حيث إن كلاً من الفئتين تقصد لذاتها؛ ويعني بالعلوم الملية صناعات ثلاثاً: صناعة الحديث وهي تشمل الأخبار والتفسير والتاريخ والحديث، وصناعة الكلام، وصناعة الفقه، وصحيح أن العلوم الحكمية (التي آلتها المنطق) تختلف عن العلوم الملية (التي تتخذ من اللغة آلة لها) في المنهج فإحداهما قائمة على العقل والبرهان والأخرى على الخبر، ولكن الاثنتين تتعاونان على بلوغ السعادة الأبدية وليس بينهما " عناد أو مضادة ". ولا بد من أن نلحظ هنا أن العامري يصرح بالتكافؤ في قسمته الثنائية على غير ما جرى عليه الفارابي وابن سينا، وأنه يلتقي مع إخوان الصفا حين يجعل " علم الأخبار والتاريخ " واحداً من العلوم الملية (الشرعية) (٢) .

تلك صورة للجهود النظرية التي بذلت في التصنيف حتى أوائل القرن الخامس الهجري، وهي إذا وضعت موضع التطبيق العملي قد تتطلب تعديلاً في مجالات مختلفة، فهناك علوم قد تجد ولا يؤخذ لها حساب في المنهج النظري (إلا أن يكون مرناً مثل منهج الفارابي) ، وهناك علوم فرعية في نظر أولئك المصنفين ولكن العلم الفرعي قد يتسع مع الزمن ويكبر الاهتمام به حتى ليزاحم العلم الأصلي في أهميته وكثرة تفرعاته الجديدة، وليس يغني كثيراً أن يقال إنه من الناحية الفكرية المحض فرع من العلم الطبيعي أو من العلم النظري مثلاً. وقد تنبه الفارابي إلى شيء من هذا عندما عدّ علم الأثقال وعلم المناظر في صميم علم التعاليم، بينما عدهما ابن سينا علوماً فرعية؛ ولهذا كانت حاجة المصنف العملي إلى تسمية العلوم وعدها أكثر من حاجته إلى تصنيفها، مع عدم الخلط بين تيارين يبدوان متفاوتين في طبيعتهما. ولهذا عادت القسمة الثنائية تفرض نفسها أكثر من أية قسمة أخرى في هذا المجال وخاصة لدى الخوارزمي (٣٨٧ / ٩٩٧) وابن النديم (٤٣٨ / ١٠٤٧) .


(١) تسع رسائل: ١١٠ - ١١٦.
(٢) الإعلام بمناقب الإسلام: ٨٧ وما بعدها؛ وانظر تصنيف العلوم لدى ابن حزم، مقالة للدكتور سالم يفوت في مجلة دراسات عربية (مارس ١٩٨٣) ص: ٦٣ - ٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>