للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقبل أن نعرض لهذين المصنفين لا بد من الوقوف عند رسالة تبدو خارجةً تماماً عن المنطق التصنيفي الذي عرفناه منذ الكندي حتى ابن سينا، فلا هي تلحظ القسمة الثلاثية ولا تحفظ بدقة الثنائية ولا يبدو أن لها صلة بالتصنيف النظري أو العملي، وتلك هي " رسالة في العلوم " وهي تحمل اسم أبي حيان التوحيدي (٤١٤ / ١٠٢٣) وتجئ رداً على من زعم أن " ليس للمنطق مدخل في الفقه، ولا للفلسفة اتصال بالدين، ولا للحكمة تأثير في الأحكام " (١) ، فهي دفاع عن المنطق والفلسفة (الحكمة) وعن طريقة الأوائل جملةً، ومؤلفها يحيل على كتب ألفت من قبل، منها كتاب أقسام العلوم وكتاب اقتصاص الفضائل وكتاب تسهيل سبل المعارف (٢) . والكتاب الأول أقسام العلوم هو في الأرجح من تأليف أبي زيد البلخي أحمد بن سهيل (٣) (٣٢٢ / ٩٣٤) ، وأما الثاني والثالث فلم أعثر على صاحبيهما، على أن للكندي رسالة بعنوان " رسالة في تسهيل سبل الفضائل " (٤) ، والعنوان الذي ذكره مؤلف رسالة العلوم يجمع بين اسمي الرسالتين المذكورتين على نحو يوحي بأن ثمة خلطاً سببه اضطراب النسخ؛ ويبدو على كل حال أن مؤلف الرسالة كان من أبناء القرن الرابع لأنه لا يتجاوز الإشارة إلى البلخي والكندي، وهو قد غادر العراق إلى بلد لم يذكره، ولكنه لقي في ذلك البلد من يتعقبه " أما إنه لو أنصف لعلم أني إلى تسمحه أحوج مني إلى تصفحه، وهو بمجاملته أسعد مني بمجادلته، وأنا لإحسانه أشكر ني لامتحانه " (٥) . فمؤلف الرسالة في البلد الذي حله داعية إلى المنطق والفلسفة، وهو يجد من ينكر عليه ذلك، وهو يتحدث إلى القوم الذي نزل بينهم بلغة الاستعلاء حين يقول " فما هذا بلغني عن بعضكم على حسن توفري على صغيركم وكبيركم "؛ وهذا المؤلف يمنح الكلام مقاماً كبيراً بين العلوم، فهو علم " يدور النظر فيه على محض العقل في التحسين والتقبيح والإحالة والتصحيح " (٦) ، بل هو متأثر بالفارابي في ما يجريه من مقارنة بين الكلام والفقه حين يقول: " وبابه مجاور لباب الفقه والكلام فيهما مشترك، وإن كان بينهما انفصال وتباين فإن الشركة بينهما واقعة، والأدلة فيهما متضارعة؛ ألا ترى أن الباحث


(١) رسائل أبي حيان التوحيدي: ١٠٥.
(٢) رسائل أبي حيان: ١٠٦.
(٣) الفهرست: ١٥٣.
(٤) الفهرست: ٣١٩.
(٥) رسائل أبي حيان: ١٠٤.
(٦) رسائل أبي حيان: ١٠٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>