للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويختلف التصنيف لدى الخوارزمي وابن النديم بسبب اختلاف الغاية عند كل منهما. فالأول يهدف إلى حصر المصطلحات التي جدت في كل علم، ولذلك كانت قسمته للعلوم بسيطة، فهي تقع في مقالتين، وكل مقالة تنقسم في فصول، فالأول منهما تضم الفقه، والكلام، والنحو، والكتابة، والشعر والعروض، والأخبار؛ والثانية تضم الفلسفة والمنطق والطب وعلم العدد والهندسة وعلم النجوم والموسيقى والحيل والكيمياء؛ وهو يصرح بأنه اختار القسمة الثنائية لأنه يريد أن يخصص المقالة الأول للحديث عن علم الشريعة وما يقترن بها من العلوم العربية، والثانية لعلوم العجم من اليونانيين وغيرهم من الأمم (١) . وإذا كانت هذه القسمة صريحة لدى الخوارزمي فإنها ضمنية لدى ابن النديم، ويمكن بسهولة أن نرى في تتابع العلوم الإسلامية في المقالات الست الأولى ثم ذكر الفلسفة والعلوم القديمة بعد ذلك اتكاءً على التقسيم الثنائي، ولكن مهما يكن من شأن هذا التصنيف الضمني فقد كانت طبيعة عمل ابن النديم تستلزم النظر إلى الكتب المؤلفة لا إلى افتراض مجالات علمية، وتلك الكتب المؤلفة أحياناً تعز على التصنيف التقليدي المتوارث حتى عهده؛ فهناك مثلاً علم الكلام، وهو داخل في بعض التصنيفات السابقة، ولكن هناك المتكلمون من شتى الفرق الإسلامية، وقد ألفت في أخبارهم كتب كثيرة، وهناك كتب بالعربية في مذاهب الصابئة الحرانية وغيرهم، وكلها تستحق أن تفيد ضمن التاريخ الشمولي للحركة الفكرية؛ ولكن أين تقع تلك الكتب إذا اعتبرنا التصنيف المتعارف

لهذا يتعدى ابن النديم حدود التصنيف للعوم إلى أمور تقع في خارجه وفاءً بالغاية التي من أجلها صنع كتاب الفهرست، ولا يمكن أن يحاسب مثلما يحاسب مثلاً ابن سينا وإخوان الصفا، فهؤلاء جعلوا للطلسمات والنيرنجات وما أشبهها مكاناً في المبنى العلمي، وقد كان في مقدورهم أن يسقطوا (من زاوية الفكر النظري لمفهوم لفظة علم) ؛ ولكن ابن النديم الذي كان يحصى ما ألف من كتب في كل مجال لا يلام إذا عقد فصلاً (المقالة الثامنة) في فنون الأسمار والخرافات والعزائم والسحر والشعبذة، ولو أسقط هذا الفصل من كتابه لكان ذلك إخلالاً بالأمانة في رصد الواقع العملي؛ ولما كان الفهرست مبنياً على أخبار المؤلفين في كل فن (ثم ذكر ما ألفه كل منهم في ميدانه) فليس من العدل أن نطبق عليه الأحكام التي تطبق على غيره من الكتب الخاصة


(١) مفاتيح العلوم: ٤ - ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>