للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالتصنيف؛ وقد كان في مقدور الفهرست أن يوحي بإعادة النظر في تصنيف العلوم ولكنه لم يفعل إلا في حدود يسيرة.

في هذا السياق المشرقي المتدرج يجيء ابن حزم (٤٥٦ / ١٠٤٦) في أقصى المغرب (في الأندلس) ليمثل وقفة هامة لأنها تجاوزت ما تم في المشرق، وإن كان صاحبها قد تأثر بما حققه المشارقة في هذا الميدان. فقد انطلق ابن حزم نحو الحديث عن العلوم وتصنيفها من موقعين: الأول صلته بالمنطق والفلسفة، وهي صلة تكاد تلزم صاحبها بالوقوف عند العلوم ومقدمات كل علم وكيفية أخذ تلك المقدمات، وهذا ما تصدى له في كتاب التقريب لحد المنطق، والثاني نزعة التدين العملي التي كانت توجه تلامذته إلى سؤاله عن العلوم وماذا يأخذون منها وماذا يتركون، وهذا ما عرض له في رسالته " مراتب العلوم " و " رسالة التلخيص لوجوه التخليص ".

ومن الغريب أن ابن حزم في التقريب قد تناهى في التبسيط فلم يعبأ بتلك النظرة الشمولية التي وضعها الفارابي ولا بتلك التصنيفات الأرسطاطاليسية التي تمسك بها ابن سينا، ولم يعر التقسيم الثلاثي أدنى اهتمام، بل اكتفى بتسمية العلوم الدائرة بين الناس في زمنه فوجدها على طريق الحصر اثني عشر علماً (ينتج عنها علمان) فعدها دون أن يراعي قليلاً ثنائياً الانقسام بين العلوم الإسلامية وعلوم الأوائل وهي: علم القرآن. علم الحديث. علم المذاهب. علم الفتيا. علم النحو. علم اللغة. علم الشعر. علم البر. علم الطب. علم العدد والهندسة. علم النجوم (وينتج عنها لم البلاغة وعلم العبارة) (١) ؛ وفي هذه التسمية رغم بساطتها نجد أن ابن حزم قد ذكر علمين لم يكن لهما ذكر من قبل وهما علم المذاهب وعلم الفتيا؛ وأكد حرصه على علم العبارة (تعبير المنامات) وعلم الخير، وضع البلاغة في نهاية العلوم الأصلية كما فعل مؤلف الرسالة المنسوبة لأبي حيان؛ ولا نظن أن ابن حزم قد زاد علماً جديداً على ما كان معروفاً، فعلم المذاهب يمكن أن يستنتجه كل من قرأ " الفهرست "، وهو تسمية جديدة لعلم الكلام توسع من حدوده أو تضيق بحسب مفهومات المذهب الظاهري (٢) ، مثلما أن علم الفتيا تسمية جديدة لعلم الفقه (توسع من حدوده أو


(١) التقريب لحد النطق (الطبعة الأولى) : ٢٠١.
(٢) أشار إليه ابن حزم في موضع آخر من التقريب (ص: ١٠) باسم " علم النظر في الآراء والديانات والأهواء والمقالات ".

<<  <  ج: ص:  >  >>