للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تضيق) لأن الفتيا تعتمد في نظره على مقدمات مأخوذة من القرآن والحديث والإجماع (ولم يقل القياس لأنه ينكره في مذهبه) ؛ ومن الواضح أنه كسر التقسيم الثنائي حين تعمد أن يضع المنطق بين العلوم الإسلامية ليوحي بأنه علم مشترك بين جميع الأمم مثلما أنه في خدمة جميع العلوم، كما أنه لم يجر أي ذكر للفلسفة لأن القسم الذي يهمه منها مثل حدوث العالم والخلاء والملاء وما أشبه يقع حسب تصوره في ما سماه " علم المذاهب "؛ كما أنه لم يفسح في تصنيفه هذا مجالاً للعلوم الطبيعية (عدا الطب) مثل الحيل والمناظر؛ والجواب عن هذا أنه يحتكحم إلى الأمر الدائر بين الناس في تعداد العلوم هنا، وأنه يعلم تماماً كما قال في رسالته في مراتب العلوم " أن كل ما علم فهو علم فيدخل في ذلك علم التجارة والخياطة والحياكة وتدبير السفن وفلاحة الأرض ... " (١) . وبسبب هذا الاحتكام إلى ما دار بين الناس فارق التصنيف الفلسفي عن وعي وتعمد: " وهذه الرتبة هي غير الرتبة التي كانت عند المتقدمين، ولكن إنما نتكلم على ما ينتفع به الناس في كل زمان مما يتوصلون به إلى مطلوبهم من إدراك العلوم " (٢) ، وهي غاية عملية تنسجم تماماً مع روح كتاب التقريب الذي ما وضع أصلاً إلا لتلك الغاية نفسها.

واستجابةً لتساؤلات تلامذته حول العلوم استطاع ابن حزم أن يقرر الحد الأدنى الضروري لكل طالبٍ من علم القراءات والحديث والنحو واللغة والشعر والحساب والطب (٣) ، كما توجه بطبيعة التساؤلات نفسها إلى فكرة المفاضلة بين العلوم، وهذا ما يوحي به عنوان رسالته " مراتب العلوم "، وهو عنوان استعمله الفارابي من قبل (٤) ، ولعله هو ذلك الكتاب نفسه الذي سمي من بعد " إحصاء العلوم ". ودين ابن حزم للفارابي يتجاوز العنوان إلى فكرة المفاضلة نفسها التي عرضها الفارابي أيضاً في إحدى رسائله الأخرى، إلا أن ابن حزم انتقل بالمفاضلة إلى مستوى جديد لم يهتم به الفارابي، للفرق الأصيل بين توجه الرجلين؛ فأفضل العلوم لدى ابن حزم " ما أدى إلى الخلاص


(١) رسائل ابن حزم (ط / ١٩٥٦) : ٨٠.
(٢) التقريب: ٢٠١.
(٣) رسائل ابن حزم: ٦٣ وما بعدها؛ والرد على ابن النغريلة ورسائل لابن حزم: ١٦٠.
(٤) الفهرست: ٣٢١ وقد جاء في فاتحة إحصاء العلوم: " مقالة في إحصاء العلوم، كتاب أبي نصر محمد بن محمد الفارابي في مراتب العلوم ".

<<  <  ج: ص:  >  >>