للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المجهد لنفسه في تلقيه (١) وتقييده لا يحصل من تمامه لديه إلا على البصر (٢) في معاناة مرض لا يدري أيتم له غرض من برئه أم لا يتم. ثم إن تم فليس على ثقة من عود ذلك الداء بعينه أشد ما كان، أو حدوث داء آخر مثل الذي استنفد طوقه في معاناته (٣) وأعضل منه. وأما المضمون المحتوم فإنه لا يقدر على دفع الموت إذا حل، ولا على علاج الزمانة إذا استحكمت؛ ولعل ذلك يحدث بمن أتعب نفسه في مداواته في أسرع من كر (٤) الطرف.

فمن تأمل ما ذكرنا، علم أن المنفعة بما قصد به من العلوم إلى المنفعة الخاصة، قليلة جداً وضعيفة العائدة جملة. إلا أن هذين الوجهين (٥) وإن كانا وتحي النفع قليلي الإجزاء (٦) لا تصالهما (٧) بالتعب في اقتناء العلم الذي هو سببهما، فلهذا حظ من النفع. وإنما الداء العياء، والذم الكامل، والخسارة المحضة، حال من اقتنى أرفع العلوم ليحصل به على كسب ال من غير وجهه، وصرف ما علم في غير طريقه، فإن حال الجاهل الخاملة أجل (٨) من حال العالم، لما ذكرنا. ونسأل الله التوفيق ونعوذ به من الخذلان.

فإذ الأمر كما ذكرنا، فأفضل العلوم ما أدى إلى الخلاص في دار الخلود ووصل إلى الفوز في دار البقاء. فطالب هذه العلوم لهذه النية هو المستعيض تبعبٍ يسير راحة الأبد، وهو ذو الصفقة الرابحة والسعي المنجح الذي بذل قليلاً واستحق كثيراً،


(١) ص: تتقيه.
(٢) ص: الحصر.
(٣) ص: استنفذ طونه في معاته.
(٤) ص: كد.
(٥) ص: إن هذا من الوجهين.
(٦) الوتح: القليل التافه، والإجزاء مصدر من أجزأ بمعنى أغنى وكفى.
(٧) ص: لا تحاصلها.
(٨) ص: لحامله أمل.

<<  <  ج: ص:  >  >>