للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مملكتان لسمتا من الآفات على مر الدهور. على أن أهل الصين ليسوا أهل علوم ألبتة، وإنما هم أهل صناعات، فلعل هذا يكون بالهند. فإن لم يكن فمضمون عدمه من العالم - هذا إلى ما شروط علم القضاء من الصفات التي لا سبيل لمن يدعي علمها إلى استيفائها (١) : من معرفة مواقع السهام ومطارح الشعاعات والدرج النيرة والمظلمة، والقتمة والآبار (٢) ، وخواص الدراري في كل برج، والكواكب البيبانية (٣) وغير ذلك مما لا يمكنهم توفيته حقه على أصولهم. فإذا كان ذلك كذلك، فتحقيق علمهم في القضاء لا سبيل إليه ألبتة؛ ولا يحصى كم شهدنا لهم من القضايا المحققة المتفق عليها من أهل الإحسان لهذا العلم؛ على ما في كتبهم، فما صدق منها شيء إلا الأقل النزر الذي يصدق بالتقدير أكثر منه، نعني من المواليد التي لا شيء في علمهم أحق منها. وأما المناخات وتحاويل السنين والقرانات الصغار فيعلم الله أننا ما رأيناهم صدقوا منها في قضية أبداً، كل سنة رأينا، وما وجدنا أكثر كلامهم في ذلك إلا على ظاهر الرأي والتقدير فقط (٤) ، ولو لم يكن من مظاهر الدعوى إلا قولهم زحل يشرف في برج كذا، ويسقط في برج كذا (٥) ، وكذا سائر الدراري. ودعواهم في وجوه المطالع وسائر تلك الخرافات، فإنهم لا يأتون على ذلك لا ببرهان ولا بإقناع ولا بشغب وإنما هو " اسمع واسكت وصدق الأمير ".

وما كان هذا سبيله فلا ينبغي أن يشتغل به عاقل اشتغال معتد به علماً، إلا أنه لا ينبغي لطالب الحقائق أن يخلوا من النظر فيه ليعرف أغراضهم، ويريح نفسه من تطلعها إلى الوقوف [عليها] ، وليفيق من دعاويهم ومخرقتهم، ويزيل عن نفسه الهم إذا عرف لا فائدة فيه. ولقد حدثني شيخنا يونس بن عبد الله القاضي (٦) قال:


(١) انظر العبارة التالية في شروط علم القضاء مكررة نصاً في الفصل ٥: ٣٨ وهي محرفة أيضاً هنالك.
(٢) ص: والقيمة والآثار. قال الخوارزمي في مفاتيح العلوم: ١٣٢ " والدرجات المظلمة درج معروفة والدرجات القتمة من القتام وهو الغبار، والآبار درج في البروج إذا عنها الكواكب نحست فيها، واحدها بئر ".
(٣) ص: البنيانية، وتكتب أيضاً " البيابانية " نسبة إلى بيابان وهو الفلاة بالفارسية إذ يهتدي في الفلوات. أفادنيه صديقي الدكتور جورج صليبا، فله الشكر.
(٤) راجع الفصل ٥: ٣٩.
(٥) شرف الكوكب درجة في برج ينسب إليه ولكل واحد من السبعة سر. فشرف زحل في الميزان وشرف المشتري في السرطان وشرف المريخ في الجدي ... وهكذا؛ والذي يقابل الشرف هو الهبوط أو السقوط.
(٦) مرت ترجمته في الجزء الأول من الرسائل ص: ٢١٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>