للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تيقن النصح منها لما يرى من تناصر التواريخ على تباعد أقطار حامليها، وتفاوت أزمانهم وتباين هممهم واختلاف أديانهم وتفرق مذاهبهم على نقل قصة ما، فيوقن أنها حق لا شك فيه، ويسمع بخلاف نقلهم في قصة ما، فيدري أنها مضطربة. ويرى أخبار العلماء والصالحين فيرى الحرص على مثل حالهم ويرغب في إلحاق اسمه بأسمائهم إذا سلك طريقهم وحذا حذوهم وعمل عملهم، ويطالع آثارهم المفسدين في الأرض وسوء الآثار عليهم، وما أبقوا من الأسماء الذميمة، فيمقت طريقهم، ويجتنب أن يكون مذكوراً فيهم. ويجعل هذا العلم خاصةً وقت راحته وسآمته من تعلم غيره من العلوم، فإن هذا العلم سهل جداً ومنشط ومنتزه ولذة، لا ينبغي لأحد أن يخلو منه فلا يدري أثراً ولا ما تقوم به الحجة من الأخبار التي يضطر إلى العلم بها حقيقة، بل يكون بمنزلة من قدر أن العالم لم يكن إلا مذ كان هو.

فإذا أحكم ما ذكرنا فأولى الأشياء به معرفة ما له خرج إلى هذا العالم، وما إليه يرجع إذا خرج من هذا العالم، وبيان ذلك بيان انقضاء أيام سفره، فإنها قليلة جداً، فلا شيء أوكد عليه من هذا، لأن ما عدا ذلك من بؤس ونعيم ولذة ومال ورياسة وفقر وخمول ونكد كله في أسرع وقت، لسنا نقول بالموت الذي لا بد منه فقط، بل بالهرم وعوارض الدهر الذي لا يؤمن تقلبه (١) بأهله قبل كر الطرف.

فيلزم (٢) المرء أن ينظر إذا أحكم ما ذكرنا أن يطلب البرهان من العلوم الضرورية التي ذكرنا على: هل العالم محدث أو لم يزل. فإذا له أنه محدث وذلك قائم في إحصاء العدد لأزمانه وعدد أشخاصه وأنواعه (٣) ، نظر هل [له] (٤) محدث أو لا محدث له فإذا حصل له أنه محدث لم يزل، وهذا قائم من باب الفضائل من حدود المنطق، نظر هل المحدث واحد أو أكثر من واحد، فإذا حصل له أنه


(١) ص: نقوله.
(٢) ص: فليلزم.
(٣) ص: أشخاص أنواعه.
(٤) زيادة لازمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>