للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبطل بما يوجب حدوث العالم على ما بيناه في كتابنا الموسوم بالفصل بالملل والنحل (١) - وأما شريعة النصارى فإنهم مقرون أن شرائعهم ليست عن وحي الله تعالى، وإنما هن زكريا الملك وسائر بطارقته، وهذا شيء تشهد العقول بأنه لا يلزم إذ لم يوجب إلزامه برهان وأما ملة المجوس فهم معترفون بأن ثلثي كتابهم ذهب، وأن في ذلك الذاهب كانت الشرائع، ومن الباطل الممتنع أن يكلف الله تعالى الناس أن يعملوا بشيء لا يدرونه، وقد ذهب عن أيديهم، ويقرون أن أزدشير بن بابك وضع لهم شرائع ملة اليهود فمعترفون أن أكثر شرائعهم اللازمة لا سبيل لهم إليها إذ خرجوا عن صهيون، وأن شرائع الربانيين منهم (٢) التي هم الآن عليها، هي غير شرائعهم التي أمروا بها في التوارة، وأن علماءهم عوضوهم عن تلك هذه، ويلزمهم الإقرار بمن صح عنه من الأعلام مثلما صح عن نبيهم عليه السلام.

فإن اشتغل مغفل عن علم الشريعة بعلمٍ غيره، فقد أساء النظر وظلم نفسه، إذ آثر الأدنى والأقل على الأعلى والأعظم منفعة؛ فإن قال قائل: إن في علم العدد والهيئة والمنطق (٣) معرفة الأشياء على ما هي عليه، قلنا إن هذا حسن إذا قصد به الاستدلال على الصانع للأشياء بصنعته، ليتدرج بذلك إلى الفوز والنجاة والخلاص من العذاب والنكد؛ وأما إن لم يكن الغرض إلا معرفة الأشياء الحاضرة على ما هي عليه فقط، فطالب هذه العلوم، ومن جعل وكده معرفة صفة البلاد على ما هي عليه، وصفات سكان أهل كل بلدة وما هي عليه صورهم سواء، ومن كان هذا هو غرضه فقط، فهو إلى أن يوصف بالفضول والحماقة أقرب منه إلى أن يوصف بالعلم، إذ حقيقة العلم هو ما قلنا إنه يطلبه لينتفع به طالبه، وينتفع به غيره في داره العاجلة وداره


(١) كذا ورد اسم الكتاب هنا وهو معروف باسم الفصل في الملل والأهواء والنحل وانظر في هذا الكتاب ١: ١٤ وما بعدها أدلته على حدوث العالم؛ وقد تصدى ابن حزم لمحاكمة النحل أيضاً في رسالة " التوقيف على شارع النجاة "، في الجزء الثالث من الرسائل.
(٢) قال ابن حزم في ذكر فرق اليهود (الفصل ١: ٩٩) الربانية هم الأشنعية، وهم القائلون بأقوال الأحبار ومذاهبهم، وهم جمهور اليهود.
(٣) ص: المنطق.

<<  <  ج: ص:  >  >>