للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الآجلة التي هي محل قراره ومكان خلوده، وبالله تعالى نتأيد.

فإن كان المرء العالم في كفاف من العيش، من وجه مرضي، فليحمد الله عز وجل، وليقنع به، وليعمل لدار القرار، ولا يسره الإكثار من أحجارٍ وخرقٍ يتركها عما قريب، أو تتركه. وإن كان في حاجة، فإن أمكنه أن يجعل مكتسبه من العلم فحسن، إما أن يكون معلم هجاءٍ فهي فضيلة عظيمة لأنه سبب [حياة] (١) كل من تعلم منه شيئاً، وله الأجر المضاعف من كل من يتعلم ممن علمه هو إلى انقضاء الأبد، بأن كان سبب حياة نفوسهم أو مؤدب نحو، أو مؤدب حسابٍ أو طبيباً. فإن كان في أحد هذه السبل فلينصح في صناعته تلك، وليطلب التزيد من العلم بما أمكنه، ليكون سبباً للخير في تعليم الجاهل، وإبراء الأدواء بإذن الله تعالى، ولا يرض بالغش والتمويه، فيفسد خلقه ومتاعه ومكتسبه فتخسر صفقته، وليستعمل القناعة جهده.

وإن ابتلى بصحبة سلطان فقد ابتلى بعظيم البلايا، وعرض للخطر الشنيع في ذهاب دينه، وذهاب نفسه وشغل باله وترادف همومه، فلا يشاركه في محظور ألبتة وإن أداه ذلك إلى التلف، فلأن يتلف مظلوماً مأجوراً محتسباً محموداً أفضل من أن يبقى ظالماً مسيئاً آثماً مذموماً، ولعل تلفه سريع، وإن تأخر مدةً فلا بد من التلف، وليعلم أن السلطان إذا رأى منه إشفاقاً على دينه ونصيحة له فيما لا يؤذيه في معاده، فإنه تتزيد ثقته به، ويجل في عينه؛ وإذا رآه شرها مؤثراً عاجلته على آخرته، ساء ظنه به، ولم يأمنه على نفسه إذا رأى الحظ له في هلاكه.

ولقد نكره للفاضل أن يصحب السلطان بعلم الطب، فإن الغالب على الملوك الجهل والسبعية (٢) وقلة الصبر على ما قطع بهم عن لذاتهم، وتدبير الأصحاء ومعاناة المرضى لا يحتمل هذا، فهم دأباً يكلفون الطبيب إحياء الموتى ويستقصرونه (٣) دون هذه المنزلة، فإن اتبع أهواءهم غشهم، وإن نصحهم عصوه واستثقلوه.


(١) زيادة يقتضيها السياق.
(٢) ص: والستعية.
(٣) ص: ويستقصرونهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>