وأما صحبتهم بالنجوم فلا يدخل في ذلك ذو مسكة عقل ألبتة، لأنه يتعاطى ما ليس في قوته الوفاء به، فهو دهره في كذب متصل ومواعيد وخدائع متصلة، وفضائح متواترة، وخزايا متتابعة. وكد من اتصل بسلطان إصلاح أخلاقهم وحملهم على البر وصرفهم عن المأثم جهده وطاقته.
ودعائم العلم مشهورة مستحكمة يؤثر بها العلم على سائر أعراض الدنيا من اللذات والمال والصوت (١) ، ثم قصد إلى عين العلم، ليخرج به عن جملة أشباه البهائم فقط، لا يجعله مكتسبه ولا ليمدح به، وذكاء وفهم وبحث وذكر وصبر على كل ذلك، والتعب فيه وإنفاق المال عليه والاستكثار من الكتب، فلن يخلوا كتاب من فائدة وزيادة علم يجدها فيه إذا احتاج إليها، ولا سبيل إلى حفظ المرء لجميع علمه الذي يختص به. فإذا لا سبيل إلى ذلك فالكتب نعم الخازنة له إذا طلب، ولولا الكتب لضاعت العلوم ولم توجد. وهذا خطأ ممن ذم الإكثار منها، ولو أخذ برأيه لتلفت العلوم ولجاذبهم الجهال فيها وادعوا ما شاءوا. فلولا شهادة الكتب لا ستوت دعوى العالم والجاهل. وسقوط الأنفة في التكرر على العلماء، وتقييد ما [يسمع] وجمعه، وملازمة المحبرة والكتب يده وكمه، وسكنى حاضرة فيها العلم، ولقاء المتنازعين وحضور المتناظرين، فبهذا تلوح الحقائق، فليس من تكلم عن نفسه وما يعتقد كمن تكلم عن غيره، ليست الثكلى كالنائحة المستأجرة، ومن لم يسمع إلا من عالم واحد أوشك أن لا يحصل على طائل، وكان كمن يشرب من بئر واحدة ولعله اختار الملح المكدر، وقد ترك العذب. ومع اعتراك الأقران ومعارضتهم يلوح الباطل من الحق، ولا بد، فمن طلبه كما ذكرنا أوشك أن ينجح مطلبه وأن لا يخفق سعيه، وأن يحصل في المدة اليسيرة على الفائدة العظيمة. ومن تعدى هذه الطريق كثر تعبه، وقلت منفعته. ومن اقتصر على علم واحد لم يطالع غيره؛ أوشك أن يكون ضحكة وكان ما خفي عليه من علمه الذي اقتصر عليه، أكثر مما أدرك منه لتعليق العلوم بعضها ببعض، كما ذكرنا، وأنها درج بعضها إلى بعض، كما وصفنا، ومن طلب الاحتواء على كل علم أوشك أن ينقطع وينحسر، ولا يحصل على شيءٍ،