للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن ذلك ما ذكرته في وصف المخبر دون المنظر، وهو:

"إذا سموتَ لأمر فكن واحدًا في مكانك، ولا ترض بكثرة الشركاء فيقال: فلان من أقرانك، ألم تر إلى الحرباء الذي هو دويبة حقيرة الشأن، ضعيفة الأركان، فإنه ارتفع في هواه عن الأرض وأُنْسِهَا, إلى السماء وشمسها، وقال: لا أحب من تفسد الأيام من حسنه، ولا من أحد بسمة خلمه١ ولا خدنه، والهمم ليست منوطة بجهارة المناظر، والتعويل على الخبر المستتر في الأفئدة الباطنة لا على الظواهر، ومن ههنا قيل: إن وضاءة النفوس أنضر من وضاءة الأجساد، ورقم الشيم أحسن من رقم الأبراد", وآخر هذا فصل ينظر إلى قوم سحيم عبد بني الحسحاس٢:

إن كنت عبدًا فنفسي حرةٌ كرمًا ... أو أَسْوَدَ اللون إني أبيض الخلق٣

إلّا أن الفصل يتضمَّن معنًى غريبًا لم يسبقني إليه أحد.

ومن ذلك ما ذكرته في الحسد في فصل من كتاب، وهو:

"حاسد سيدنا ينظر إلى زهرة دنياه, ولا ينظر إلى استحقاقه، وهو كالناظر إلى الأطواق الموضوعة في الجيد, ولا يدري أن الجيد أحسن من أطواقه، ولو قاس الدنيا بالاستحقاق لذهب الحسد من صدره، وقال: ما لي أحسد من لم ينته قدر دنياه إلى معشار قدره؟ ".

ومن ذلك ما ذكرته في صدر كتاب يتضمَّن الأعذار عن تواتر المكاتبات، وهو:

"إذا اعتُذَِر من انقطاع الكتب اعتذار الخادم من اتصالها، ولو كانت واردة على غير ذلك الباب الكريم لخاف من إملالها, وقد عُدَّ احتمال تثقيلها من جملة الأيادي


١ الخلم -بالكسر: الصديق والصاحب.
٢ سحيم عبد بني الحسحاس من المخضرمين, أدرك الجاهلية والإسلام، وكان أسود شديد السواد، وبنو الحسحاس من بني أسد بن خزيمة, قال المبرد: كان عبد بني الحسحاس يرتضخ لكنة حبشية، وقتل سحيم في خلافة عثمان -رضي الله عنه، لما قيل من تغزله في امرأة من بني عبد الحسحاس.
٣ البيت في خزانة الأدب ١/ ٣٨٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>