التي أثقلته، وأراد أن يجري معها بسوابق شكره فأعجلته وما أمهلته، وهو الآن مرتَهَنٌ بين قديم وجديد، وأصبح كخراشٍ إذ تكاثرت عليه الظباء فلم يدر لكثرتها ما يصيد، فإن أمسك سيدنا من أياديه وإلّا فليتفضل على الشكر بالإنظار، وليعلم أن ذمة وفائه كذمة ديوان المال في الإعسار".
هذا فصلٌ في هذا المعنى قلَّمَا يؤتَى بمثله، وفيه معنى واحد من قول الشاعر:
تكاثرت الظباء على خراشٍ ... فما يدري خراشٌ ما يصيد
ومن ذلك ما ذكرته في استصلاح مودة، فقلت:
"كنت عنده بالمنزلة التي آمن بها ما أجنيه, فصرت أخاف ما لم أجنه، وكان لا يقبل علي شهادة عينه, فأصبح الآن يقبل على شهادة أذنه، لكن لم يجعل الله القلوب بين إصبعين من أصابعه, إلّا ليذهب بها كل وادٍ، ومن ههنا كانت تنتقل من وداد إلى قلىً, ومن قلىً إلى وداد، ولا شك أن لها بين الحالتين عمرًا تنتهي إليه كما تنتهي أعمار الأجساد، والصبر خير ما استعمل في جفاء الإخوان، والماء إذا جرى في مكان ثم انحرف عنه فلا بُدَّ أن يعود إلى ذلك المكان".
وبعض هذا مأخوذ من شعر ابن الرومي:
عهدتك لا تعتدّ بالعين شاهدًا ... عليَّ فلم أصبحت تعتد بالأذن١
ومن ذلك ما ذكرته في فصل من كتاب إلى بعض الملوك على يد بعض العفاة، وهو:
"الشيم الكريمة للإنسان, بمنزلة المسك في سُرَرِ الغزلان، غير أن طيب هذه يعبق بالأنوف, وطيب هذه يعبق بالآذان، وقد جعل تفاوت المزية بين هذين الطيبين فرقًا، فأحدهما يبقى دائمًا ولا يذهب, والآخر يذهب ولا يبقى، ونصيب مولانا من الطيب الباقي نصيب زكت معادنه، وكثرت خزائنه، وسارت في الأرض محاسنه،
١ ديوان ابن الرومي ٤٣١ وهو من قصيدة قالها مستعطفًا ومستبطئًا أبا الحسن محمد بن أبي سلالة في مكاتبته إياه.