للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورفعه الله به إلى محلٍّ يبعد شأوه على الطالب، ولا يرى إلّا في لسان شاعر أو لسان خاطب، وهو مما استُثْنِيَ من خلق الناس الذي هو من طين لازب١، ومن أجل ذلك يرون أشباهًا ما عداه، وما منهم إلّا من يُقِرُّ بفضله ولو كان من حساده أو عداه, وقد أصبحوا وهم يقلُّون لديه حين يكثرون، ويقول كل منهم لصاحبه: {أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُون} ٢.

هذا الفصل وإن تضمَّن شيئًا من القرآن الكريم فليس المراد ههنا القرآن الكريم، بل منه شيء مأخوذ من الشعر، وهو قول المتنبي٣:

الناس ما لم يروك أشباه ... والدهر لفظٌ وأنت معناه

ومن ذلك ما ذكر في وصف الخمر، وهو:

"الخمر لا تفي لذة إسكارها [إلا] بتبغيض خمارها، فهي خرقاء البيان، بذية اللسان، وتأنيثها يدلك أنها من ناقصات العقول والأديان، وقد عُرِفَ منها سُنَّة الجور في أحكامها، ولولا ذلك لما استأثرت من الرءوس بجناية أقدامها".

وهذا أحسن من قول الشاعر وأغرب وألطف، لأنه قال:

ذكرت حقائدها القديمة إذ غدت ... وهنًا تداس بأرجل العَصَّار

لانت لهم حتى انتشوا فتحكَّمَت ... فيهم فنادت فيهم بالثَّار

وكذلك قلت في وصفها أيضًا، وهو:

"مدامة تبقي خواطر الهموم، وتسري مسرى الأرواح في الجسوم، وتشهد بأن الكرم مستمَدٌّ من ماء الكروم، ويتمثَّل حَبَبُها نجومًا إلّا أنها مضلة والهداية بالنجوم. وبعض هذا مأخوذ من قول أبي نواس:


١ تضمين قول الله تعالى: {فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمْ مَنْ خَلَقْنَا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ لَازِبٍ} سورة الصافات: آية ١١، واللازب: اللازق.
٢ سورة الطور: آية ١٥.
٣ ديوان المتنبي ٤/ ٢٦٣ وهو مطلع قصيدة يمدح بها أبا العشائر، وقد أراد سفرًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>