للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكذلك قولي أيضًا، وهو:

"يبيت برأيه العدو قبل جيشه، وتلقاه يطيش قلمه, الذي كلُّ الحلمِ في طيشه, فإذا أطلَّت وجوه الآراء كان رأيه لها صباحًا، وإذا جهزت الجحافل لحرب كان قلمه لها سلاحًا".

وبعض هذا المعنى مأخوذ من شعر البحتري:

وهو المرء ما غزا بلدًا بالرَّأْ ... ي إلّا كفاه غزو الجنود١

ومن ذلك ما ذكرته في وصف السير والركاب والخيل والقفار وما يتعلق بها, فمنه ما يتعلق بالسير، وهو:

ركب ظهر الليل يباري مسير شهبه بمسير أشهبه، ويستقرب بُعْدَ المدى في نيل مطلبه، غير أن تلك تفري أديم الغياهب، وهذا يفري أديم السباسب٢".

وهذا مأخوذ من قول المتنبي:

يباري نجوم القذف في كل ليلةٍ ... نجومٌ له منهنَّ وردٌ وَأَدْهَمُ

ومن هذا المعنى أيضًا قولي، وهو:

"اتَّخذ الليل ظهرًا، واستلان خشونة المسرى، فلم يزل يقذف صبغة سواده بصبغة جواده، حتى بدت أديم الليل شيات صباحه، وشابة الأدهم في غرته وأوضاحه، فعند ذلك أخذ أحدهما في رحيله, وأخذ الآخر في نزوله".

وهذا المعنى ينظر إلى الذي قبله، وفيه من شرف الصنعة ما لا خفاء به.


١ هو مثل قوله:
فهي من عزم رأيه في جنود ... قمن من حولها مقام الجنود
٢ السباسب: جمع سبسب، وهو المفازة، أو الأرض المستوية البعيدة.
٣ ديوان المتنبي ٣/ ٣٥٣، ورواية الديوان "تباري" بالتاء، ونجوم القذف: هي التي نقذف بها الشياطين، قال الله تعالى: {وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، دُحُورًا} ، والورد: الفرس الأحمر.

<<  <  ج: ص:  >  >>