للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا معنًى حسن, له من نفسه مُثْنٍ وحامد، ومن سامعه يمينٌ وشاهد، وهو من معانيَّ المستخرجة.

ومن ذلك قولي أيضًا، وهو:

"النقص موكَّلٌ بكمال النعماء، ولذلك كان الوخم مقترنًا بالمرعى والماء, وقلما ترى ثمرة إلّا ومعها زنبور، ولا لذَّة إلَّا وإلى جانبها شيء محذور".

وكذلك قولي أيضًا، وهو:

"لا يظفر الرجل بمطالبه شفعًا، ولا تؤتيه من كل جهة نفعًا، بل يرى مرعًى بلا ماء وماءً بلا مرعى، ولذلك كانت النحلة مع الشهدة، والشوكة مع الوردة".

وبعض هذه المعاني مأخوذ من قول أبي تمام:

أرضٌ بها عشبٌ زاكٍ وليس بها ... ماءٌ وأخرى بها ماءٌ ولا عشب١

إلّا أنَّ في الكلام المنثور زيادة على ما تضمَّنه الشعر، وكأنَّه ينظر إليه نظرًا بعيدًا.

ومن سبيل المتصدِّي لهذا الفن أن يأخذ المعنى من الشعر, فيجعله مثل الإكسير في صناعة الكيمياء، ثم يخرج منه ألوانًا مختلفة من جوهر وذهب وفضة، كما فعلت في هذا الموضع، فإني أخذت معنى هذا البيت من الشعر, فاستخرجت منه ما ليس منه، وهذا أعلى الدرجات في نثر المعاني الشعرية. وقد بسطت القول في هذا الموضع، وكشفت عن دفائنه في الكتاب الذي وسمته بـ"الوشي المرقوم، في حل المنظوم"، وهو كتاب مفرد في هذا الفن خاصة.

ومن هذا الضرب الذي هو الكيمياء في توليد المعاني ما ذكرته في وصف الربيع فقلت:

"فصل الرَّبيع هو أحد ميزاني عامه، والمستقيد لسامه من حامه، وقد وصف بأنه ميعاد نطق الأطيار، وميلاد أجنة الأزهار، والذي تَسْتَوْفَى به حولها سلافة العقار،


١ ديوان أبي تمام ٥٠ ورواية الديوان "أرض بها عشب جرف وليس بها" والجرف ما جرفته السيول وأكلته من الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>