وحسن الألفاظ وقبحها ليس إضافيًّا إلى زيد دون عمرو, أو إلى عمرو دون زيد؛ لأنه وصف ذَوويّ لا يتغير بالإضافة.
ألا ترى أن لفظة "المزنة" مثلًا حسنة عند الناس كافَّة من العرب وغيرهم، وهلمَّ جرَّا، لا يختلف أحد في حسنها، وكذلك لفظة "البعاق"، فإنها قبيحة عند الناس كافَّة من العرب وغيرهم، فإذا استعملها العرب لا يكون استعمالهم إياها مخرجًا لها عن القبح، ولا يلتفت إذن إلى استعمالهم إياها، بل يعاب مستعملها، ويغلظ له النكير حيث استعملها.
وقد ذكر ابن سنان الخفاجي ما يتعلّق باللفظة الواحدة من الأوصاف، وقسهما إلى عدة أقسام: كتباعد مخارج الحروف، وأن تكون الكلمة جارية على العرف العربي غير شاذة، وأن تكون مصغَّرة في موضع يعبر به عن شيء لطيف أو خفي أو ما جرى مجراه، وألا تكون مبتذلة بين العامة، وغير ذلك من الأوصاف. وفي الذي ذكرناه ما لا حاجة إليه.
أما تباعد المخارج فإن معظم اللغة العربية دائر عليه؛ لأن الواضع قسَّمها في وضعه ثلاثة أقسام: ثلاثيًّا، ورباعيًّا، وخماسيًّا.
والثلاثي من الألفاظ هو الأكثر، ولا يوجد ما يكره استعماله إلا الشاذ النادر، وأما الرباعي فإنه وسط بين الثلاثي والخماسي في الكثرة عددًا واستعمالًا.
وأمَّا الخماسي فإنه الأقل، ولا يوجد فيه ما يستعمل إلا الشاذ النادر.
وعلى هذا التقدير فإن أكثر اللغة مستعمل على غير مكروه، ولا تقتضي حكمة هذه اللغة الشريفة التي هي سيدة اللغات إلا ذلك، ولهذا أسقط الواضع حروفًا كثيرة في تأليف بعضها مع بعض استثقال واستكراه، فلم يؤلف بين حروف الحلق كالحاء والخاء والعين، وكذلك لم يؤلف بين الجيم والقاف، ولا بين اللام والراء، ولا بين الزاء والسين، وكل هذا دليل على عنايته بتأليف المتباعد المخارج دون المتقارب، ومن العجب أنه كان يُخِلُّ بمثل هذا الأصل الكلي في تحسين اللغة، وقد اعتنى بأمور أخرى جزئية؛ كمماثلته بين حركات الفعل في الوجود, وبين حركات المصدر في النطق،