للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى شعره وجدته بالنسبة إلى شعر الشعراء المجيدين منحطًّا، مع أنَّ أولئك الشعراء لم يعرفوا من علم الأدب عشر معشار ما علمه.

هذا العباس بن الأحنف١، قد كان من أوائل الشعراء المجيدين، وشعره كممرّ نسيم على عذبات أغصان, وكلؤلؤات طلّ على طرر ريحان، وليس فيه لفظة واحدة غريبة يحتاج إلى استخراجها من كتب اللغة, فمن ذلك قوله:

وإنِّي ليرضيني قليل نوالكم ... وإن كان لا أرضى لكم بقليل

بحرمة ما قد كان بيني وبينكم ... من الود إلّا عدتم بجميل

وهكذا ورد قوله في "فوز" التي كان يشبب في شعره:

يا فوز، يا منية عباس ... قلبي يُفَدَّي قلبك القاسي

أسأت إذ أحسنت ظنِّي بكم ... والحزم سوء الظنِّ بالناس

يقلقني شوقي فآتيكم ... والقلب مملوءٌ من الياس

وهل أعذب من هذه الأبيات, وأعلق بالخاطر, وأسرى في السمع? ولمثلها تخف رواجح الأوزان، وعلى مثلها تسهر الأجفان، وعن مثلها تتأخَّر السوابق عند الرهان، ولم أجرها بلساني يومًا إلّا ذكرت قول أبي الطيب المتنبي٢:

إذا شاء أن يلهو بلحية أحمقٍ ... أراه غُبَاري ثُمَّ قال له الحق٣

ومن الذي يستطيع أن يسلك هذه الطريق التي هي سهلة وعرة, قريبة بعيدة! وهذا أبو العتاهية٤، كان في عزة الدولة العباسية، وشعراء العرب إذ ذاك موجودون


١ العباس بن الأحنف من بني عدي بن حنيفة، وهو شاعر غزل مطبوع، وله مذهب في الشعر جيد، ولمعانيه عذوبة، وكان من شعراء بني العباس، وقدَّمه المبرد على نظرائه، وأطنب في وصفه، ولم يتجاوز الغزل إلى غيره من أغراض الشعر، توفي سنة ١٩٢هـ.
٢ ديوان المتنبي ٢/ ٣١٤ من قصيدة مطلعها:
لعينيك ما يلقى الفؤاد وما لقي ... وللحب ما لم يبق مني وما بقي
٣ أسكن الواو من الفعل "يلهو" وهو منصوب ضرورة.
٤ هو إسماعيل بن القاسم، نشأ بالكوفة يعالج الشعر مع إلمام بمذاهب المتكلمين والفلاسفة، ويغلب على شعره الزهد والسهولة، وقد توفي سنة ٢١١هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>