للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كثيرًا, وكانت مدائحه في المهديّ بن المنصور، وإذا تأمَّلت شعره وجدته كالماء الجاري: رقة ألفاظ، ولطافة سبك، وليس بركيك ولا واهٍ.

وكذلك أبو نواس، وبهذا قُدِّم على شعراء عصره, وناهيك بعصره وما جمعه من فحول الشعراء، ويكفي منهم مسلم بن الوليد١ الذي كان فارس الشعر، وله الأسلوب الغريب العجيب، غير أنه كان يتعنجه في أكثر ألفاظه.

ويحكى أنَّ أبا نواس جلس يومًا إلى بعض التجار ببغداد هو وجماعة من الشعراء، فاستسقى الماء، فلمَّا شرب قال:

عَذُبَ الماء وطابا

م قال: أجيزوه، فأخذ أولئك الشعراء يترددون في إجازته، وإذا هم بأبي العتاهي فقال: ما شأنكم مجتمعين? فقالوا: هو كيت وكيت، وقد قال أبو نواس:

عَذُبَ الماء وطابا

فقال أبو العتاهية:

حبَّذا الماء شرابا

فعجبوا لقوله على الفور من غير تلبثٍ.

وكل شعر أبي العتاهية كذلك سهل الألفاظ, وسأورد منه ههنا شيئًا يُسْتَدَلُّ به على سلاسة طبعه، وترويق خاطره.

فمن ذلك قصيدته التي يمدح فيها المهديّ، ويشبب فيها بجاريته "عتب":

ألا ما لسيدتي ما لها ... تُدِلُّ فاحمل إدلالها

ألا إن جارية للإما ... م قد سكن الحسن سربالها

لقد أتعب الله قلبي بها ... وأتعب في اللوم عذَّالها

كأن بعيني في حيثما ... سلكت من الأرض تِمثالها


١ هو صريح الغواني مسلم بن الوليد الأنصاري، تأدَّب في الكوفة، ونبه شأنه في الشعر، حتى صار من متقدمي عصره، وهو من متكلمي البديع، وقد توفي بجرجان سنة ٢٠٨هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>