للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلما وصل إلى المديح قال من جملته:

أتته الخلافة منقادةً ... إليه تجرر أذيالها

فلم تك تصلح إلا له ... ولم يك يصلح إلا لها

ولو رامها أحدٌ غيرك ... لزلزلت الأرض زلزالها

ولو لم تطعه بنات القلوب١ ... لما قبل الله أعمالها

ويحكى أن بشارًا٢ كان شاهدًا عند إنشاد أبي العتاهية هذه الأبيات، فلمَّا سمع المديح قال: انظروا إلى أمير المؤمنين، هل طار عن أعواده? يريد: هل زال عن سريره طربًا بهذا المديح؟

ولعمري إن الأمر كما قال بشار، وخير القول ما أسكر السامع حتى ينقله عن حالته، سواء كان في مديح أو غيره.

وقد أشرت إلى ذلك فما يأتي من هذا الكتاب عند ذكر "الاستعارة"، فليؤخذ من هناك.

واعلم أن هذه الأبيات المشار إليها ههنا من رقيق الشعر غزلًا ومديحًا, وقد أذعن لمديحها الشعراء من أهل ذلك العصر، ومع هذا, فإنك تراها من السلاسة واللطافة على أقصى الغايات.

وهذا هو الكلام الذي يسمَّى "السهل الممتنع"، فتراه يطمعك، ثم إذا حاولت مماثلته راغ عنك كما يروغ الثعلب.

وهكذا ينبغي أن يكون من خاض في كتابة أو شعر، فإن خير الكلام ما دخل الأذن بغير إذنٍ!

وأما البداوة والعنجهية في الألفاظ فتلك أمة قد خلت، ومع أنها قد خلت


١ بنات القلوب: حياتها، والمعنى: مَنْ لم يخلص للخليفة لا يتقبل الله عمله.
٢ هو أبو معاذ بشار بن برد العقيلي ولاء، الفارسي أصلًا، أخذ العربية عن أعراب البصرة، ونبغ في الشعر لشدة ذكائه، وسعة خياله، وحسن ابتكاره، وكان هجَّاء ماجنًا, مات مقتولًا سنة ١٦٧هـ.

<<  <  ج: ص:  >  >>