للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أذاق الغواني حسنه ما أذقنني ... وعفَّ فجازاهنَّ عني بالصرم١

فإن [معنى] لفظة "الصرم" في وضع اللغة هو القطع، يقال: "صرمه" إذا قطعه، فغيَّرتها العامة وجعلتها دالة على المحل المخصوص من الحيوان دون غيره، فأبدلوا السين صادًا، ومن أجل ذلك استكره استعمال هذه اللفظة، وما جرى مجراها، لكنَّ المكروه منها ما يستعمل على صيغة الاسمية، كما جاءت في هذا البيت، وأما إذا استعملت على صيغة الفعل كقولنا: "صرمه" و"صرمته" و"تصرَّمه" فإنها لا تكون كريهة؛ لأن استعمال العامة لا يدخل في ذلك.

وهذا الضرب المشار إٍليه لا يعاب البدوي على استعماله، كما يعاب المحتضر؛ لأنَّ البدوي لم تتغير الألفاظ في زمنه، ولا تصرَّفت العامَّة فيها كما تصرَّفت في زمن المحتضرة من الشعراء، فمن أجل ذلك عيب استعمال لفظة "الصرم" وما جرى مجراها على الشاعر المحتضر، ولم يعب على الشاعر المبتدئ، ألا ترى إلى قول أبي صخر الهذلي٢:

قد كان صرمٌ في الممات لنا ... فعجلت قبل الموت بالصرم٣

فإنَّ هذا لا يعاب على أبي صخر كما عيب على المتنبي قوله في البيت المقدَّم ذكره.

وقد صنَّف الشيخ أبو منصور بن أحمد البغدادي المعروف بابن الجواليقي كتابًا في هذا الفن، ووسمه بـ"إصلاح ما تغلط فيه العامة"، فمنه ما هذا سبيله، وهو الذي أنكر استعماله لكراهته؛ ولأنه مما لم ينقل عن العرب، فهذان عيبان.

وأما الضرب الثاني:

وهو أنه وضع في أصل اللغة لمعنى, فجعلته العامة دالًّا على غيره، إلّا أنه ليس بمستقبَحْ ولا مستكره.


١ رواية الديوان:
وعفَّ فجازهن عنى بالصرم
قد أسكن "الغواني" ضرورة؛ لأنها مفعول "ذاق".
٢ اسمه عبد الله بن سلم السهميّ، أحد بنى هذيل بن مدركه، وهو شاعر إسلامي من شعراء الدولة الأموية، وكان مواليًا لبني مروان، متعصبًا لهم، وله في عبد الملك مدائح، وقد كان حبسه ابن الزبير إلى أن شفع له رجال من قريش، فأطلقه بعد سنة، فلمَّا ولي عبد الملك وحجَّ لقيه أبو صخر، فأدناه عبد الملك وقرَّبه، فمدحه ونال جائزته.
٣ من أبيات ثمانية في ديوان الحماسة ٢/ ٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>