للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك كتسميتهم الإنسان "ظريفًا" إذا كان دمث الأخلاق حسن الصورة أو اللباس، أو ما هذا سبيله، "والظرف" في أصل اللغة مختَصٌّ بالنطق فقط.

وقد قيل في صفات خلق الإنسان ما أذكره ههنا، وهو: الصباحة في الوجه، الوضاءة في البشرة، الجمال في الأنف، الحلاوة في العينين، الملاحة في الفم، الظرف في اللسان، الرشاقة في القد، اللباقة في الشمائل، كمال الحسن في الشعر.

فالظرف إنما يتعلَّق بالنطق خاصَّة، فغيَّرته العامَّة عن بابه, ومِمَّن غلط في هذا الموضع أبو نواس حيث قال:

اختصم الجود والجمال ... فيك فصارا إلى جدال

فقال هذا يمينه لي ... للعرف والبذل والنوال

وقال هذاك وجهه لي ... للظرف والحسن والكمال

فافترقا فيك عن تراضٍ ... كلاهما صادق المقال

وكذلك غلط أبو تمام، فقال١:

لك هضبة الحلم التي لو وازنت ... أجَأ إذن ثقُلَت وكان خفيفًا

وحلاوة الشَّم التي لو مازجت ... خلق الزمان الفدم عاد ظريفًا

فأبو نواس غلط ههنا في أنَّه وصف الوجه بالظرف، وهو من صفات النطق، وأبو تمام غلط في أنه وصف الخلق بالظرف، وهو من صفات النطق أيضًا، إلّا أنَّ هذا غلط لا يوجب في هذه اللفظة قبحًا، لكنه جهل بمعرفة أصلها في وضع اللغة.

القسم الثاني مما ابتذلته العامة، وهو الذي لم تغيره عن وضعه:

وإنما أنكر استعماله؛ لأنه مبتذل بينهم، لا لأنَّه مستقبح، ولا لأنَّه مخالف لما وضع له.

وفي هذا القسم نظر عندي؛ لأنه إن كان عبارةً عمَّا يكثر تداوله بين العامة, فإن


١ ديوان أبي تمام ٣٠٩ من قصيدة في مدح أبي سعيد محمد بن يوسف، ومطلعها:
أطلالهم سلبت دماها الهيفا ... واستبدلت وحشًا بهن عكوفا

<<  <  ج: ص:  >  >>