للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل هذه الألفاظ إذا وردت في الكلام وضعت من قدره، ولو كان معنى شريفًا.

وهذا القسم من الألفاظ المبتذلة لا يكاد يخلو منه شعر شاعر، لكن منهم المقلُّ ومنهم المكِْثرُ، حتى إن العاربة قد استعملت هذا، إلّا أنه في أشعارها أقلَّ, فمن ذلك قول النابغة الذبياني في قصيدته التي أولها:

من آل مية رائحٌ أو مغتدي١ ... أو دميةٍ في مرمرٍ مرفوعةٍ

بنيت بآجرٍ يشاد بقرمد٢ ... فلفظة "آجر" مبتذلة جدًّا.

وإن شئت أن تعلم شيئًا من سر الفصاحة التي تضمّنها القرآن فانظر إلى هذا الموضوع، فإنه لما جيء فيه بذكر "الآجر" لم يذكر بلفظه، ولا بلفظ "القرمد" أيضًا، ولا بلفظ "الطوب" الذي هو لغة أهل مصر؛ فإن هذه الأسماء مبتذلة، لكن ذكر في القرآن على وجه آخر وهو قوله تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَلْ لِي صَرْحًا} ٣ فعبَّر عن الآجر بالوقود على الطين.

ومن هذا القسم المبتذل قول الفرزدق في قصيدته التي أولها:

عرفت بأعشاش وما كدت تعزف٤

وأصبح مبيض الضريب كأنه ... على سروات النيب قطن مُنَدَّف٥


١ ديوان النابغة بشرح الوزير أبي بكر عاصم بن أيوب البطليوسي ص٢٧ وعجز البيت:
عجلان ذا زاد وغير مزود
٢ صفحة ٣٠ من الديوان، والدمية: التمثال والصورة، والمرمر: الرخام الأبيض، ويشاد: يرفع بالشيد وهو الجصّ، والقرمد: خزف مطبوخ.
٣ سورة القصص: الآية ٣٨.
٤ ديوان الفرزدق ٢/ ٥٥١، وهي إحدى نقائضه، وعجز البيت:
وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف
في الأصل "عرفت" و"تعرف" بالراء فيهما، والصواب عن الديوان.
٥ في الأصل "الضريب" موضع "الصقيع", و"البيت" موضع "النيب", والتصويب عن الديوان، وسروات النيب: أسنمة الإبل، يقول: وقع الثلج على أسنمتها كأنَّه قطن مندَّف, والصقيع: الجليد.

<<  <  ج: ص:  >  >>