للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسيني" ولو شئنا لأسندنا هذه النسبة كابرًا عن كابر، ونضدناها آخرًا بعد أوّل عن أوَّل قبل آخر، حتى وصلنا هذا الفرع بشجرته الطيبة، وهذا القطر بسحابته الصيِّبة، وشرف الأنساب أصدقه ما كان الدهر به شهيدًا، وأجدّه ما كان قديمًا, وأخلقه ما كان جديدًا، وما تولَّى الروح الأمين مدحه قرآنًا أكرم مما تولَّى الشعراء مدحه قصيدًا، ولا فضل للمعتزَى إلى هذا النسب حتى تلحق البنوة بالأبوة، ويضيف درجة الفضيلة إلى محتد النبوة، وحينئذ يقال: ما أقرب الشبه على قدم عهده، وهذا ماء الورد بعد ذهاب ورده.

وأنت ذلك الرجل الذي تردَّد الشرف في مناسبه, تردد القمر في منازله، وزها المجد بمناقبه زَهْوَ الروض في خمائله، فلآلئ حسبك تغنيك عن سؤال مَنْ وما، وتملأ بودك وحمدك قلبًا وفمًا، والحسب ما حفظت أواخره أوائله، وأوضحت الليالي والأيام دلائله، وأقرَّت به الأعداء فما ردَّت فضائله، وهذه هي المآثر التي إذا نظمت غارت الشعراء عليها من الشعر، وإذا نُثِرَت وُجِدَت في محكم الذكر، وأنت صاحبها وابن صاحبها، ومن لم يرثها عن أباعدها بل عن أقاربها، ولو جانبت رياستها مصانعًا، ومشيت بها الضراء متواضعًا, لدل عليك وصفها، وعرف منك عرفها. ولو قلَّدْنَاك أمر هذه الأسرة التي هي أسرتك، وأمَّرناك عليها وإمرتها إمرتك، فتولَّها تولي من خفض لها جناحه، وأفاض عليها سماحه، وأنضى فيها غدوَّه ورواحه، حتى يقال: إنك الراعي الذي تناول ثُلَّثَهُ فأراح حسيرها، وجبر كسيرها، وارتاد لها خصبًا، وأوردها رفهًا لا غبًّا، وأذكى في كلاءتها عينًا وقلبًا.

ومن حقِّها عليك أن تنظر إلى ذات شمالها وذات يمينها، وتتصفَّح أحوالها في أمر دنياها ودينها، فأول ذلك أن تعلمها كتاب الله تعالى الذي في تعليمه نهج الصواب، وفي تلاوته مضاعفة حسنات الثواب، وقد مُثِّل قارئه بالبيت العامر, وتاركه بالبيت الخراب، وهو كتاب امتاز عن الكتب بنجوم التنزيل، وتولى الله حفظه من التحريف والتبديل، وافتتحه بالسبع المثاني التي لم ينزل مثلها في التوراة ولا في الإنجيل، وهو الموصوف بأنه النور المستضاء به في غيابة الظلماء، والحبل الممدود من الأرض إلى السماء،

<<  <  ج: ص:  >  >>