نسبٍ يوصلونه، فنَقِّبْ عن حال هؤلاء تنقيبًا، واجعل النسيب نسيبًا، والغريب غريبًا، حتى تخلص السلالة من طراقها, ويبقى الشجرة على أعراقها, ومن علمت كذبه فازجره بأليم الازدجار، وأعلمه بأنه قد تبوأ مقعده من النار، واشهره في الناس حتى ينتهي وينتهيَ غيره بذلك الاشتهار.
وههنا وصيةٌ هي أهم من هذه الوصية أمرًا, وأعظم أجرًا، وأجدر بأن تكون هي الأولى, وتكون هذه الأخرى، وهي الأخذ على ألسنة السفهاء من الخوض فيما شجر بين آل النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه، وإظهار العصبية التي تزحزح الحق عن نصابه، وترجعه على أعقابه, وليس مستندها إلّا مغالاة ذوي الجهل, وربما نشأ منها فتنة, والفتنة أشد من القتل، فوكِّل بهؤلاء غربًا قاطعًا, ونهيًا قامعًا، وكن في ذلك شارعًا لما كان الله شارعًا، فأولئك السادات هم النجوم الذين بأيهم كان الاقتداء كان به الاهتداء، وقصارى المحسن في هذا الزمان أن يتعلّق منها سببًا، ويأخذ عنهم دينًا وأدبًا، ولا يبلغ مُدَّ أحدهم ولا نصيفه١، ولو أنفق مثل أحد ذهبًا.
ونحن نعلم أنك واقف على سنن اقتصادك، وأنَّ هذه الوصية هي محض اعتقادك, والمنصف في هذا المقام من رمقه بنظر جليّ، ووفَّى أبا بكر وعمر -رضي الله عنهما- حقهما, وإن كان من نسل علي، فكلٌّ قد ذكره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بفضله، وهؤلاء من صحابته وهذا من أهله، ونعوذ بالله من الأهواء الزائغة، والأقوال التي ليست بسائغة، ولا حجَّة إلّا بالحق, ولله الحجة البالغة.
وقد جعلنا لك في مالنا عطاءً دارًّا تستعين به على لوازم النفقات، وتخرج نافلته في وقاية عرضك التي هي محسوبة من الصدقات، فإنَّ من ساد قومًا يفتقر إلى تحمُّل أثقالهم، والإفاضة من حاله على أحوالهم، وهذا برٌّ يكون منا أصله ومنك فرعه، وثواب يكون لك قصده ولنا شرعه، وصاحب الإحسان من سنَّ سبيل الإحسان، ولم نرض أن أريناك مكانه حتى أمددناك فيه بالإمكان, فأعط مالنا، وتعلَّم من سنة إفضالنا، ولدولتنا بذلك ثوب جمال كلما لُبِسَ زاد جدَّةً، وعُمْرُ ذكر كلَّما مضت عليه
١ المد: المدى، يقال: قدر مَدّ البصر, أي: مداه، والنصيف هو النصف, أحد شقي الشيء.