للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فلم يضعف عنه طوقًاو ولم يأل فيه اجتهادًا، وصغَّرت لديه أمر الدنيا, فما تسوَّرت له محرابًا, ولا عرضت عليه جيادًا، وحققت فيه قول الله تعالى: {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا} ١. ثم يصلّي على من أنزلت الملائكة لنصره إمدادًا، وأسري به إلى السماء حتى ارتقى سبعًا شدادًا، وتجلَّى له ربه فلم يزغ منه بصرًا ولا أكذب منه فؤادًا، ثم من بعده على أسرته الطاهرة التي زكت أوراقًا وأعوادًا، وورثت النور المتين تلادًا، ووصفت بأنها أحد الثقلين هداية وإرشادًا، وخصوصًا عنه العباس المدعو له بأن يحفظ نفسًا وأولادًا، وأن تبقى كلمة الخلافة فيها خالدة لا تخاف دركًا ولا تخشى نفادًا. وإذا استوفى القلم مداده من هذه الحمدلة، وأسند القول فيها عن فصاحته المرسلة، فإنه يأخذ في إنشاء هذا التقليد الذي جعله حليفًا لقرطاسه، واستدام سجوده على صفحته حتى لم يكد يرفع من راسه، وليس ذلك إلا لإفاضته في وصف المناقب التي كثرت, فحسن لها مقام الإكثار، واشتبه التطويل فيها بالاختصار، وهي التي لا يفتقر واصفها إلى القول المعاد، ولا يستوعر سلوك أطوادها, ومن العجب وجود السهل في سلوك الأطواد، وتلك مناقبك أيها الملك الناصر الأجلّ السيد الكبير العالم العادل المجاهد المرابط صلاح الدين أبو المظفر يوسف بن أيوب، والديوان العزيز يتلوها عليك تحدثًا بشكرك، ويباهي بك أولياءه تنويهًا بذكرك، ويقول: أنت الذي تستكفي فتكون للدولة سهمها الصائب، وشهابها الثاقب، وكنزها الذي تذهب الكنوز وليس بذاهب، وما ضرها وقد حضرت في نصرتها إذا كان غيرك هو الغائب، فاشكر إذًا مساعيك التي أهَّلتك لما أهلتك، وفضلتك على الأولياء بما فضلتك, ولئن شوركت في الولاء بعقيدة الإضمار, فلم تشارك في عزمك الذي انتصر للدولة فكان له بسطة الانتصار، وفرقٌ بين من أمدَّ بقلبه وبين من أمد بيده في درجات الإمداد، وما جعل الله القاعدين كالذين قالوا: لو أمر بنا لضربنا أكبادها إلى برك الغماد٢.


١ سورة القصص: الآية ٨٣.
٢ قال صاحب القاموس: وبرك الغماد -بالكسر ويفتح- موضع باليمن، أووراء مكة بخمس ليال، أو أقصى معمور الأرض.

<<  <  ج: ص:  >  >>