للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأوامر ما بين أصل وفرع, وكلٍّ وجزء، وقليل وكثير، ولا نرى ذلك في كلام غيره من الكتاب، إلا أنه عبَّر عن تلك الوصايا والأوامر والشروط والاستدراكات بعبارة في بعضها ما فيه من الضعف والركة، وقد قيل: إن زيادة العلم على المنطق هجنة، وزيادة المنطق على العلم خدعة.

ومع هذا فإني أقرُّ للرجل بالتقدُّم, وأشهد له بالفضل.

أقسام السجع:

وإذ فرغت مما أردت تحقيقه في هذا الموضع, فإني أرجع إلى ما كنت بصدد ذكره من الكلام على السجع, وقد تقدَّم من ذلك ما تقدَّم، وبقي ما أنا ذاكر ههنا، وهو أن السجع قد ينقسم إلى ثلاثة أقسام:

الأول: أن يكون الفصلان متساويين, لا يزيد أحدهما على الآخر؛ كقوله تعالى: {فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ، وَأَمَّا السَّائِلَ فَلَا تَنْهَرْ} ١, وقوله تعالى: {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا، فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا، فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا، فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا، فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا} ٢.

ألا ترى كيف جاءت هذه الفصول متساوية الأجزاء, حتى كأنها أفرغت في قالب واحد؟ وأمثال ذلك في القرآن الكريم كثيرة، وهو أشرف السجع منزلة؛ للاعتدال الذي فيه.

القسم الثاني: أن يكون الفصل الثاني أطول من الأول, لا طولًا يخرج به عن الاعتدال خروجًا كثيرًا، فإنه يقبح عند ذلك ويستكره ويعد عيبًا, فمما جاء منه قوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا، إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا، وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا} ٣.


١ سورة الضحى: الآيتان ٩، ١٠.
٢ سورة العاديات: الآيات ١-٥.
٣ سورة الفرقان: الآيات ١١-١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>