للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فهذه السجعات كلها من لفظتين لفظتين، ولو جعلت الثالثة منها خمس لفظات أو ستًّا, لما كان ذلك معيبًا.

القسم الثالث: أن يكون الفصل الآخر أقصر من الأول، وهو عندي عيب فاحش، وسبب ذلك أن السجع يكون قد استوفى أمده من الفصل الأول بحكم طوله، ثم يجيء الفصل الثاني قصيرًا عن الأول، فيكون كالشيء المبتور، فيبقى الإنسان عند سماعه كمن يريد الانتهاء إلى غاية فيعثر دونها.

وإذ انتهينا إلى ههنا وبينَّا أقسام السجع ولبَّه وقشوره, فسنقول فيه قولًا كليًّا، وهو أن السجع على اختلاف أقسامه ضربان:

أحدهما: يُسَمَّى "السجع القصير"، وهو أن تكون كل واحدة من السجعتين مؤلَّفة من ألفاظ قليلة، وكلما قلت الألفاظ كان أحسن، لقرب الفواصل المسجوعة من سمع السامع.

وهذا الضرب أوعر السجع مذهبًا وأبعده متناولًا، ولا يكاد استعماله يقع إلّا نادرًا.

والضرب الآخر: يسمَّى "السجع الطويل"، وهو ضد الأول، لأنه أسهل متناولًا.

وإنما القصير من السجع أوعر مسلكًا من الطويل؛ لأنَّ المعنى إذا صيغ بألفاظ قصيرة عزَّ مواتاة السجع فيه، لقصر تلك الألفاظ وضيق المجال في استجلابه، وأما الطويل فإن الألفاظ تطول فيه, ويستجلب له السجع من حيث وليس، كما يقال، وكان ذلك سهلًا.

وكل واحد من هذين الضربين تتفاوت درجاته في عدة ألفاظ:

وأما السجع القصير فأحسنه ما كان مؤلفًا من لفظتين لفظتين، كقوله تعالى: {وَالْمُرْسَلَاتِ عُرْفًا، فَالْعَاصِفَاتِ عَصْفًا} ١ وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ، قُمْ فَأَنْذِرْ، وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ، وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ، وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} ٢.


١ سورة المرسلات: الآيتان ١، ٢.
٢ سورة المدثر: الآيات ١-٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>