للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفائدته في الشعر أنه قبل كمال البيت الأول من القصيدة تعلم قافيتها، وشُبِّه البيت المصرَّع بباب له مصراعان متشاكلان، وقد فعل ذلك القدماء والمحدثون، وفيه دلالة على سعة القدرة في أفانين الكلام.

فأمَّا إذا كثر التصريع في القصيدة فلست أراه مختارًا، إلّا أن هذه الأصناف من التصريع والترصيع والتجنيس وغيرها, إنما يحسن منها في الكلام ما قلَّ وجرى مجرى الغرَّة من الوجه، أو كان كالطراز من الثوب.

فأمَّا إذا تواترت وكثرت فإنها لا تكون مرضية، لما فيها من أمارات الكلفة١.

وهو عندي٢ ينقسم إلى سبع مراتب، وذلك شيء لم يذكره على هذا الوجه أحد غيري!

فالمرتبة الأولى -وهي أعلى التصريع درجة: أن يكون كل مصراع من البيت مستقلًّا بنفسه في فهم معناه, غير محتاج إلى صاحبه الذي يليه، ويسمَّى "التصريع الكامل"، وذلك كقول امرئ القيس:

أفاطم مهلًا بعض هذا التدلل ... وإن كنت قد أزمعت هجرًا فأجملي

فإنَّ كل مصراع من هذا البيت مفهوم المعنى بنفسه، غير محتاج إلى ما يليه، وعليه ورد قول المتنبي:

إذا كان مدحٌ فالنسيب المقدم ... أكلُّ فصيحٍ قال شعرًا متيم٣

المرتبة الثانية: أن يكون المصراع الأول مستقلًّا بنفسه غير محتاج إلى الذي يليه, فإذا جاء الذي يليه كان مرتبطًا به كقول امرئ القيس:

قفا نبك من ذكرى حبيبٍ ومنزل ... بسقط اللوى بين الدخول فحومل


١ نقل ابن الأثير في كلامه عن "التصريع" رأي ابن سنان الخفاجي، قال "في سر الفصاحة ٢٢٢": فأما إذا تكرر التصريع في القصيدة فلست أراه مختارًا، وهو عندي يجري مجرى تكرر الترصيع والتجنيس والطباق وغير ذلك.. وإن هذه الأشياء إنما يحسن منها ما قلَّ وجرى منها مجرى اللمعة واللمحة، وأما إذا تواتر وتكرر، فليس ذلك عندي مرضيًّا.
٢ يقصد التصريع.
٣ ديوان المتنبي ٣/ ٣٥٠ وهو مطلع قصيدة يمدح بها سيف الدولة.

<<  <  ج: ص:  >  >>