وكذلك ورد قوله -صلى الله عليه وسلم:"المسلم من سلم الناس من لسانه ويده".
ودخل ثعلب صاحب كتاب "الفصيح" على أحمد بن حنبل -رحمه الله تعالى- ومجلسه غاصٌّ، فجلس إلى جانبه ثم أقبل عليه، وقال:"أخاف أن أكون ضيقت عليك، على أنه لا يضيق مجلس بمتحابين, ولا تسع الدنيا بأسرها متباغضين، فقال له أحمد: "الصديق لا يحاسب، والعدو لا يحتسب له". وهذا كلام حسن من كلا الرجلين، والتجنيس في كلام أحمد -رحمه الله- في قوله: "يحاسب" و"يحتسب له".
وقد جاءني شيء من ذلك عليه خفة الطبع لا ثقل الطبع.
فمنه ما ذكرته في فصل من كتاب إلى ديوان الخلافة يتضمَّن ذكر الجهاد فقلت:
"وخيل الله قد اشتاقت أن يقال لها اركبي، وسيوفه قد تطلَّعت أن يقال لها اضربي، ومواطن الجهاد قد بعد عهدها باستسقاء شآبيب النحور، وإنبات ربيع الذباب والنسور، وما ذاك إلّا لأنَّ العدو إذا طلب تقمَّص ثوب إذلاله, وتنصل من صحة نصاله، واعتصم بمعاقله التي لا فرق بينها وبين عقاله".
ومن ذلك ما ذكرته في وصف كريم، فقلت:
"وقد جعل الله حرمه ملقى الجفان، وملتقى الأجفان، فهو حمىً لمن جنى عليه زمانه، وجارٌ لمن بعد عنه جيرانه".
ومن ذلك ما ذكرته في فصلٍ من كتاب إلى ديوان الخلافة، وهو:
"ولقد استبان الخادم من بركة طاعته ما يَعْمَى عنه غيره فما يراه، ووجد من أثره في صلاح دنياه ما استدلَّ به على صلاح أخراه، فهو المركَب المنجِّي، والعمل المرجوّ لا المرجي، والمعنى المراد بهداية الصراط المستقيم، وتأويل قوله تعالى:{فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} ١.
ومن ذلك ما ذكرته في أثناء كتابٍ إلى بعض الإخوان، وذلك وصف بعض المنعمين، فقلت: