للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن معانيه المبتدعة قوله١:

فإن تفق الأنام وأنت منهم ... فإن المسك بعض دم الغزال

وأحسن من ذلك قوله٢:

صدمتهم بخميسٍ أنت غرته ... وسمهريته في وجهه غمم٣

فكان أثبت ما فيهم جسومهم ... يسقطن حولك والأرواح تنهزم

وهذا من أعاجيب أبي الطيب التي برز فيها على الشعراء.

ومن الإحسان في هذا الباب قول بعضهم:

وقد أشق الحجاب الصعب مأربه ... دوني وآبى ولولجًا فيه إن طرقا

كالطيف يأبى دخول الجفن منفتحًا ... وليس يدخله إلا إذا انطبقا

ورأيتُ ابن حمدون البغدادي٤ صاحب كتاب "التذكرة" قد أورد هذين البيتين في كتابه، وقال: قد أغرب هذا الشاعر ولكنه خلط، وجرى على عادة الشعراء؛ لأن الطيف لا يدخل الجفن، وإنما يتخيل إلى النفس.

وهذا كلام من لم يطعم من شجرة الفصاحة والبلاغة، وليس مثله عندي، إلا كما يحكى عن ملك الروم، إذ أنشد عنده بيت المتنبي الذي هو:


١ الديوان ٣/ ٢٠ من قصيدة في رثاء والدة سيف الدولة، مطلعها:
نعد المشرفية والعوالي ... وتقتلنا المنون بلا قتال
٢ الديوان ٤/ ٢٣ من قصيدة في مدح سيف الدولة، ومطلعها:
عقبي اليمين على عقبي الوغى ندم ... ماذا يزيدك في إقدامك القسم
٣ الخميس: الجيش، والغرة: الوجه. والسمهرية: الرماح، والغمم: كثرة الشعر وإسباله على الوجه.
٤ هو محمد بن الحسن محمد بن علي بن حمدون، من بيت فضل ورياسة، وكان ذا معرفة بالأدب والكتابة، سمع وروى، وصنف كتاب "التذكرة" في الأدب، والنوادر، والتواريخ، وهو كتاب كبير يدخل في اثني عشر مجلدا. اختص بالمستنجد، يجتمع به وينادمه، وولاه ديوان الزمام، توفي محبوسا سنة اثنتين وستين وخمسمائة.

<<  <  ج: ص:  >  >>