للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كأن العيس كانت فوق جفني ... مناخات فلما ثرن سالا١

فسأل عن المعنى، ففسر له فقال: ما سمعت بأكذب من هذا الشاعر أرأيت من أناخ الجمل على عينه لا يهلكه؟!.

ومن محاسن هذا القسم قول بعضهم:

تخيره الله من آدمٍ ... فما زال منحدرًا يرتقي

وكذلك قول الآخر:

بأبي غزالٌ غازلته مقلتي ... بين الغوير وبين شطي بارق٢

عاطيته والليل يسحب ذيله ... صهباء كالمسك الفتيق لناشق٣

وضممته ضم الكمي لسيفه ... وذؤابتاه حمائلٌ في عاتقي

حتى إذا مالت به سنة الكرى ... زحزحته شيئًا وكان معانقي

أبعدته عن أضلعٍ تشتاقه ... كي لا ينام على وسادٍ خافق

وهذا من الحسن والملاحة بالمكان الأقصى، ولقد خفت معانيه على القلوب حتى كادت ترقص رقصًا.

والبيت الأخير منه هو الموصوف بالإبداع، وبه وبأمثاله أقرت الأبصار بفضل الأسماع!


١ ديوان المتنبي ٣/ ٢٢٢ من قصيدة له في مدح بدر بن عمار ومطلعها:
بقائي شاء ليس هم ارتحالًا ... وحسن الصبر زموا لا الجمالا
ومعنى البيت: كنت لا أبكي قبل فراقهم، فكأن إبلهم ببروكها كانت تمسك بكائي ودمعي عن السيل، فلما أثاروها للرحيل سالت دموعي، فكأنها كانت مناخة فوق جفني.
٢ الغوير مواضع، منها ماء لكلب بالسماوة بين العراق والشام، وماء بين العقبة والقاع في طريق مكة، وموضع على الفرات، وبارق ماء بالعراق، وهو الحد من القادسية إلى البصرة، وهي من أعمال الكوفة.
٣ فتق المسك بغيره استخراج رائحته بشيء تدخله فيه.

<<  <  ج: ص:  >  >>