للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومن هذا الضرب قول بعض المصريين يهجو إنسانًا يقال له: "ابن طليل" احترقت داره:

انظر إلى الأيام كيف تسوقنا ... طوعًا إلى الإقرار بالأقدار

ما أوقد ابن طليل قط بداره ... نارًا وكان هلاكها بالنار

وكذلك ورد قول ابن قلاقس١، من شعراء مصر:

زد رفعةً إن قيل أنغض٢ ... وانخفض إن قيل أثرى

كالغصن يدنو ما اكتسى ... ثمرًا وينأى ما تعرى

وهذا من المعاني الدقيقة.

ومن هذا الأسلوب قول الشاعر المعروف بالحافظ في تشبيه البهار٣ وهو:

عيون تبرٍ كأنما سرقت ... سواد أحداقها من الغسق

فإن دجا ليلها بظلمته ... ضممن من خوفها على السرق

وهذا تشبيه بديع لم يسمع بمثله، وهو من اللطافة على ما لا خفاء به.

ومن هذا القسم قول بعض المتأخرين من أهل زماننا:

لا تضع من عظيم قدرٍ وإن كن ... ت مشارًا إليه بالتعظيم

فالشريف العظيم ينقص قدرًا ... بالتعدي على الشريف العظيم

ولع الخمر بالعقول رمى الخم ... ر بتنجيسها وبالتحريم


١ ابن قلاقس: هو أبو الفتوح نصر بن عبد الله بن قلاقس الإسكندري، رحل إلى اليمن، ومدح بعض رجالها، وعاد بثروة، فانكسر المركب، ففرق ما كان معه بالقرب من دهلك، فعد إلى اليمن، ثم انتقل إلى صقلية، ثم توفي بعيذاب على شاطئ البحر الأحمر من بلاد مصر سنة ٥٦٧هـ.
٢ أنغض إذا تحرك واضطرب، وأنغض رأسه حركة كالمتعجب من شيء.
٣ البهار بالفتح العرار الذي يقال له: عين البقى، وهو بهار البر، وهو نبت جعد له فقاحة صفراء تنبت أيام الربيع، يقال لها: العرارة.

<<  <  ج: ص:  >  >>