ومن غريب ما سمعته في هذا الباب قول بعض الشعراء المغاربة يرثي قتيلًا:
غدرت به زرق الأسنة بعدما ... قد كن طوع يمينه وشماله
فليحذر البدر المنير نجومه ... إذ بان غدر مثالها بمثاله
وكذلك جاء وصف بعض المغاربة في الخمر وكاساتها:
ثقلت زجاجاتٌ أتتنا فرغًا ... حتى إذا ملئت بصرف الراح
خفت فكادت أن تطير بما حوت ... وكذا الجسوم تخف بالأرواح
وهذا معنى مبتدع أشهد أنه يفعل بالعقول فعل الخمر سكرًا، ويروق كما رقت لطفًا، ويفوح كما فاحت نشرًا.
وكذلك ورد قول ابن حمديس الصقلي:
يا سالبًا قمر السماء جماله ... ألبستني للحزن ثوب سمائه
أضرمت قلبي فارتمى بشرارةٍ ... وقعت بخدك فانطفت من مائه
وهذا المعنى دقيق جدًا.
وقد سمعت في الخال ما شاء الله أن أسمع، فلم أجد مثل هذا!!
وقد جاءني في الكلام المنثور من هذا الضرب شيء، وسأذكر ههنا منه نبذة.
فمن ذلك ما ذكرته في وصف صورة مليحة، فقلت:
"ألبس من الحسن أنضر لباس، وخلق من طينة غير طينة الناس، وكما زاد حسنًا فكذلك ازداد طيبًا، واتفقت فيه الأهواء حتى صار إلى كل قلب حبيبًا، فلو صافح الورد لتعطرت أوراقه، أو مر على النيلوفر١ ليلًا لتفتحت أحداقه".
١ النيلوفر، ويقال: النينوفر، ضرب من الرياحين، ينبت في المياه الراكدة "انظر القاموس ٢/ ١٤٧".