للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى الغريب ههنا أن الشمس إذا طلعت على النيلوفر تفتح أوراقه، وإذا غربت عنه انضم.

ثم إني سمعت هذا في شعر الفرس لبعض شعرائهم، فحصل عندي منه تعجب.

ومن ذلك ما ذكرته في ذم الشيب، فقلت:

"الشيب إعدام للإيسار، وظلام للأنوار، وهو الموت الأول الذي يصلى نارًا من الهم أشد وقودًا من النار، ولئن قال قوم: إنه جلالة فإنهم دقوا به وما جلوا، وأفتوا في وصفه بغير علم فضلوا وأضلوا، وما أراه إلا محراثًا للعمر، ولم تدخل آلة الحرث دار قوم إلا ذلوا، ومن عجيب شأنه أنه المملول الذي يشفق من بعده، والخلق الذي يكره نزع برده، ولما فقد الشباب كان عنه عوضًا، ولا عوض عنه في فقده".

والمعنى المخترع ههنا في قولي: "وما أراه إلا محراثًا للعمر ولم تدخل آلة الحرث دار قومٍ إلا ذلوا".

وهو مستنبط من الحديث النبوي، وذاك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى آلة حرث، فقال: "ما دخلت هذه دار قوم إلا ذلوا"، فأخذت أنا هذا ونقلته إلى الشيب، فجاء كما تراه في أعلى درجات الحسن، وذلك لما بينه وبين الشيب من المناسبة الشبيهة؛ لأن الشيب يفعل في البدن ما يفعله المحراث في الأرض، وإذا نزل بالإنسان أحدث عنده ذلًّا.

ومن هذا الباب ما ذكرته في فصل من كتاب إلى بعض الناس أعبث به، فقلت:

"وإذا كتبت مثالبه١ في كتاب اجتمع عليه بنات وردان٢، وحرم علي أن أبدأ فيه بالبسملة؛ لأنها من القرآن".

وهذا معنى لطيف في غاية اللطافة وهو مخترع لي.


١ جمع مثلبة وهي العيب والمنقصة، جمعها مثالب، يقال: ثلبه يثلبه لامه وعابه.
٢ بنات وردان دويبات تلزم الكنف كالجعل والصراصير.

<<  <  ج: ص:  >  >>