للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو مستخرج من الحديث النبوي في ذكر الطاعة والجماعة، فقال -صلى الله عليه وسلم: "أطع ولو عبدًا حبشيًا مجدعًا ما أقام عليك كتاب الله"، فاستخرجت أنا للقلم معنى من ذلك، وهو أن القلم يجدع، ويقمص لباس السواد، فصار حبشيًّا أجدع.

وهذا كما فعل أبو تمام حبيب بن أوس الطائي في قصيدته السينية١، فإنه استخرج المعنى المخترع من القرآن الكريم، وأنا استخرجت المعنى من الخبر النبوي كما أريتك.

وهذا المعنى المشار إليه في وصف القلم أوردته بعبارة أخرى على وجه آخر، ونبهت عليه في كتاب "الوشي المرقوم في حل المنظوم"، وهذا كتاب ألفته في صناعة حل الشعر وغيره.

وبعد هذا فسأقول لك في هذا الموضع قولًا لم يقله أحد غيري، وهو أن المعاني المبتدعة شبيهة بمسائل الحساب المجهول من الجبر والمقابلة، فكما أنك إذا وردت عليك مسألة من المجهولات تأخذها، وتقلبها ظهرًا لبطن، وتنظر إلى أوائلها وأواخرها، وتعتبر أطرافها وأوساطها، وعند ذلك تخرج بك الفكرة إلى معلوم، فكذلك إذا ورد عليك معنى من المعاني ينبغي لك أن تنظر فيه كنظرك في المجهولات الحسابية!

إلا أن هذا لا يقع في كل معنى، فإن أكثر المعاني قد طرق وسبق إليه، والإبداع إنما يقع في معنى غريب لم يطرق، ولا يكون ذلك إلا في أمر غريب لم يأت مثله، وحينئذ إذا كتبت فيه كتاب أو نظم فيه شعر، فإن الكاتب والشاعر يعثران على مظنة الإبداع فيه.


١ يشير إلى قوله:
لا تنكروا ضربي له من دونه ... مثلا شرودا في الندى والباس
فالله قد ضرب المقل لنوره ... مثلا من المشكاة والنبراس
وقد سبق الاستشهاد به في معرض الكلام عن معانيه المبتدعة.

<<  <  ج: ص:  >  >>