وقد لابست ذلك في مواضع كثيرة، وسأورد ههنا ما يحذى حذوه لمن استطاع إليه سبيلًا.
ومن ذلك ما كتبته عن نفسي إلى بعض ملوك الشام، وأهديت إليه رطبًا، وهو:
"خلد الله دولة مولانا، وعمر لها مجدًا وجنانًا، وخولها السعادة عطاء حسابًا، وأنشأ الليالي لخدمتها عربًا أترابًا١، وأبقى شبيبتها بقاءً لا يستحدث معه خضابًا، ولا جعل لها في محاسن الدول السابقة أشباهًا ولا أضرابًا، وألقى اليأس بين أعدائها، وحسادها حتى يبعث لهم في الأرض غرابًا.
"إذا أراد العبيد أن يهدوا لمواليهم قصرت بهم يد وجدهم، وعلموا أن كل ما عندهم من عندهم، لكن في الأشياء المستطرفة ما يهدي، وإن كان قدره خفيفًا، ولولا اختلاف البلاد فيما يوجد بها لما كان شيء من الأشياء طريفًا".
"وقد أهدى المملوك من الرطب ما يتجلى في صفة الوارس، ويزهى بحسنه حتى كأنه لم يدنس بيد لامس، وما سمي رطبًا إلا لاشتقاقه من الرطب الذي هو ضد اليابس.
"وقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليه ثناء جمًّا، وفضل شجرته على الشجر بأن سماها أما، ولئن عدم عرفا لذيذًا فإنه لم يعد منظرًا لذيذًا ولا طعمًا، وله أوصاف أخرى هي لفضله بمنزلة الشهود، فمنها أنه أول غذاء يفطر عليه الصائم، وأول غذاء يدخل بطن المولود".
"وأحسن من ذلك أنه معدود من الحلواء، وإن كان من ذوات الغراس، ولا فرق بينهما سوى أنه من خلق الله، وتلك من خلق الناس".
١ العرب جمع العروب من النساء بوزن العروس، وهي المتحببة إلى زوجها، والأتراب جمع ترب بكسر التاء اللدة والسن ومن ولد معك، اقتباس من قول الله تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً، فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا، عُرُبًا أَتْرَابًا، لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ} [سورة الواقعة، الآيات: ٣٥-٣٨] .