للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الفصاحة فإنها كقول النابغة مثلًا، أو كقول الأعشى١، أو غيرهما، ثم يذكر بيتًا من الشعر أو أبياتًا، وما بهذا تعرف حقيقة الفصاحة حتى إذا وردت في كلامٍ عرفنا أنه فصيح، بما عرفنا من حقيقتها الموجودة فيها، وكذلك يقول في غير الفصاحة.

ومن أعجب ما وجدته في كتاب أنه قال: أما المعاني المبتدعة، فليس للعرب منها شيء، وإنما اختص بها المحدثون، ثم ذكر للمحدثين معاني، وقال: هذا المعنى لفلان، وهو غريب، وهذا القول لفلان، وهو غريب.

وتلك الأقوال التي خص قائليها بأنهم ابتدعوها قد سبقوا إليها، فإما أن يكون غير عارف بالمعنى الغريب، وإما أنه لم يقف على أقوال الناظمين والناثرين، ولا تبحر فيها، حتى عرف ما قاله المتقدم، مما قاله المتأخر.

وأما قوله: "إنه ليس للعرب معنى مبتدع، وإنما هو للمحدثين، فيا ليت شعري! من السابق إلى المعاني? من تقدم زمانه أم من تأخر زمانه؟

وأنا أورد ههنا ما يستدل به على بطلان ما ذكره.

وذاك أنه قد ورد من المعاني أن صور المنازل تمثلت في القلوب، فإذا عفت آثارها لم تعف صورها من القلوب، وأول من أتى بذلك العرب، فقال الحرث بن خالد٢ من أبيات الحماسة٣:


١ أعشى قيس هو ميمون بن قيس بن جندل من بكر بن وائل من ربيعة، وهو أحد الأعلام من شعراء الجاهلية وفحولهم، والبعض يقدمونه على سائرها، ويحتج الذين يقدمونه بكثرة طواله الجياد، وتصرفه في المديح والهجاء، وسائر فنون الشعر مما ليس لسواه، ويقال: إنه أول من سأل بشعره، وأنتجع به أقاصي البلاد، وكان يغني به، فسمي صناجة العرب، توفي سنة ٦٢٩م.
٢ هو الحارث بن خالد المخزومي، شاعر كثير الشعر، وكان في عهد بني أمية ولي مكة من قبل يزيد بن معاوية، فلم يمكنه ابن الزبير، فلما ولي عبد الملك أقره عليها، ثم عزله: فعتب عليه بأبيات من الشعر، فأرضاه ووصله، وهو أحد المعدودين من شعراء قريش، ولا سيما في الغزل والنسيب، وكان يذهب مذهب عمر بن أبي ربيعة، ولا يتجاوز الغزل إلى المديح والهجاء، وأكثر شعره في عائشة بنت طلحة وكان يهواها ويشبب بها.
٣ ديوان الحماسة ٢/ ٨٦ من أربعة أبيات ترك بن الأثير منها وهو قوله:
فيكاد يعرفها الخبير بها ... فيرده الإفواء والمحل

<<  <  ج: ص:  >  >>