للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذان البيتان من أبيات المعاني المبتدعة، وعلى أثرهما مشى الشعراء.

وكذلك ورد لبعضهم في شعر الحماسة١:

تركت ضأني تود الذئب راعيها ... وأنها لا تراني آخر الأبد

الذئب يطرقها في الدهر واحدةً ... وكل يومٍ تراني مديةٌ بيدي

وكذلك ورد قول الآخر:

قومٌ إذا ما جنى جانيهم أمنوا ... للؤم أحسابهم أن يقتلوا قودا٢

وكم للعرب من هذه المعاني التي سبقوا إليها.

ومن أدل الدليل على فساد ما ذهب إليه٣ من أن المحدثين هم المختصون بابتداع المعاني، أن أول من بكى على الديار في شعره رجل يقال له: ابن حزام، وكان هو المبتدئ لهذا المعنى أولًا، وقد ذكره امرؤ القيس في شعره فقال٤:

عوجًا على الطلل المحيل لعلنا ... نبكي الديار كما بكى ابن حذام٥

وقد أجمع نقلة الأشعار أن لامرئ القيس في صفات الفرس أشياء كثيرة لم يسبق إليها، ولا قيلت من قبله.

ويكفي من هذا كله ما قدمت القول فيه، وهو أن العرب السابقون بالشعر، وزمانهم هو الأول، فكيف يقال: إن المتأخرين هم السابقون إلى المعاني?!

وفي هذه الأمثلة التي أوردتها كفاية في نقض ما ذكره.


١ ديوان الحماسة ٢/ ٢٤٥.
٢ البيت في نقد الشعر ٤٧، وفي الصناعتين ١٠٥ وقبله:
اللؤم أكرم من وبر ووالده ... واللؤم أكرم من وبر وما ولدا
٣ يشير إلى ابن أفلح وكلامه في مقدمته.
٤ طبقات الشعراء لابن سلام ٢١.
٥ قال ابن سلام: وابن حذام رجل من طيئ لم يسمع شعره الذي بكى فيه، ولا شعر غير هذا البيت الذي نكره امرؤ القيس، وفي الأصل "ابن حرام"، وفي الأصل "الطلل المخيل" بالخاء المعجمة، ومعنى المحيل المتغير.

<<  <  ج: ص:  >  >>