للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا هزبرًا له من درعه لبدٌ ... ولا مهاةً لها من شبهها حشم١

وهذا من المليح النادر، فالخلد: استعارة لمن اختفى تحت التراب خائفًا، والباز: استعارة لمن طار هاربًا، والهزبر والمهاة: استعارتان للرجال المقاتلة، والنساء من السبايا.

ومن هذا الباب قوله٢:

كل جريحٍ ترجى سلامته ... إلا جريحًا دهته عيناها٣

تبل خدي كلما ابتسمت ... من مطرٍ برقه ثناياها٤

والبيت الثاني من الأبيات الحسان التي تتواصف، وقد حسن الاستعارة التي فيه أنه جاء ذكر المطر مع البرق.

وبلغني عن أبي الفتح بن جني٥ -رحمه الله- أنه شرح ذلك في كتابه الموسوم بالمفسر٦، الذي ألفه في شرح شعر أبي الطيب، فقال: "إنها كانت تبزق في


١ الهزبر: الأسد واللبد جمع لبدة، وهي ما على كتفي الأسد من شعره، والمهاة بقرة الوحش، والحشم الخدم، وهي حاشية الإنسان العظيم.
٢ ديوان المتنبي ٤/ ٢٧١ من قصيدة بمدح فيها عضد الدولة أبا شجاع فناخسرو سنة أربع وخمسين وثلثمائة، ومطلعها:
أوه بديل من قولتي واها ... لمن فأث والبديل ذكراها
٣ من دهته: أي أصابته بعينها، لم ترج سلامته.
٤ قال الواحدي: قال ابن جني: دل بهذا البيت على أنها كانت متكئة عليه، وعلى غاية القرب منه، وقال ابن فورجة: أظنها وقعت عليه تبكي، فوقع دمعها عليه.
ومعنى البيت: إن دموعي كالمطر، تبل خدي، كلما ابتسمت بكيت، فكأن دموعي مطر برقه بريق ثناياها، أي كان بكائي في حال ابتسامها كقوله: ظلت أبكي وتبتسم.
٥ هو أبو الفتح عثمان بن جني، كان من حذاق أهل الأدب، وأعلمهم بعلم النحو والتصريف، صنف فيهما كتبا أبدع فيها كالخصائص والمنصف، وسر الصناعة، وصنف كتابا في شرح القوافي وفي العروض، وفي المذكر والمؤنث إلى غير ذلك، ولم يكن في شيء من علومه أكمل منه في التصريف، فإنه لم يصنف أحد في التصريف، ولا تكلم فيه أحسن، ولا أدق كلاما منه، وكدن أبو "جني" مملوكا روميا لسليمان بن فهد الأزدي، وكان يقول الشعر ويجيده، ودرس النحو ببغداد، وتوفي ابن جني يوم الجمعة لليلتين بقيتا من شهر صفر سنة اثنتين وتسعين وثلثمائة في خلافة القادر.
٦ لابن جني كتاب كبير في تفسير ديوان المتنبي، وهو ألف ورقة ونيف، وكتاب آخر في تفسير معاني هذا الديوان، وحجمه مائة ورقة وخمسون ورقة -وانظر معجم الأدباء لياقوت ١٢/ ١١٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>