مجردًا من الإنسان كأنه غيره، وهو هو"، كالمثال الذي مثله في تشبيهه بالأسد وتشبيهه بالبحر، وهذا ينتقض بقولنا: لئن رأيت الأسد لترين منه هضبة، ولئن لقيته لتلقين منه الموت، فإن الصورة التي أوردها في الإنسان، وزعم أن العرب تعتقد أن ذلك معنى كامن فيه قد أوردنا مثلها في الأسد، فتخصيصه ذلك بالإنسان باطل.
وكلا الصورتين ليس بتجريد، وإنما هو تشبيه مضمر الأداة:
وقد سبق القول بأن التجريد هو أن تطلق على غيرك، ولا يكون هو المراد، وإنما المراد نفسك، وهذا لا يوجد في هذا المثال المضمر الأداة، بل المخاطب هو هو لا غيره، فلا يطلق عليه إذًا اسم التجريد؛ لأنه خارج عن حقيقته، ومناف لموضوعه.
فإذا قال القائل: "لئن لقيته لتلقين به كالأسد، ولئن سألته لتسألن منه كالبحر"، لم يجرد عن المقول عنه شيئًا، وإنما شبهه تارة بالأسد في شجاعته، وتارة بالبحر في سخائه.
وما أعلم كيف ذهب هذا على مثل أبي علي -رحمه الله- حتى خلطه بالتجريد، وأجراه مجراه؟
وأما قوله: "إن العرب تعتقد أن في الإنسان معنى كامنًا فيه كأنه حقيقته، ومحصوله"، فأقول: وغير العرب أيضًا تعتقد ذلك!
فإن عنى بالمعنى الكامن معنى الإنسانية الذي هو الاستعداد للعلوم والصنائع، فما هذا من الشيء الغريب الخفي الذي علمته العرب خاصة، وانفرد باستخراجه أبو علي رحمه الله!
وإن عني بالمعنى الكامن ما فيه من الأخلاق كالشجاعة، والسخاء في المثال الذي ذكره، حتى يشبه بالأسد تارة، وبالبحر أخرى، فليس الإنسان مختصًا بهذا المعنى الكامن دون غيره من الحيوانات، بل الأسد فيه من معنى الشجاعة ما ليس في الإنسان، ولهذا إذا بولغ في وصف الإنسان بالشجاعة شبه بالأسد، وكذلك في بعض