للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وسأذكر ما سنح لي فيه فأقول:

لما بدأ الكلام بسبحان ردفه بقوله: {الَّذِي أَسْرَى} ، إذ لا يجوز أن يقال: الذي أسرينا، فلما جاء بلفظ الواحد والله تعالى أعظم العظماء، وهو أولى بخطاب العظيم في نفسه الذي هو بلفظ الجمع، استدرك الأول بالثاني، فقال: {بَارَكْنَا} ثم قال: {لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا} ، فجاء بذلك على نسق: {بَارَكْنَا} ، ثم قال: {إِنَّه هُوَ} ، عطفًا على أسرى، وذلك موضع متوسط الصفة؛ لأن السمع والبصر صفتان يشاركه فيهما غيره، وتلك حال متوسطة، فخرج بهما عن خطاب العظيم، في نفسه إلى خطاب غائب.

فانظر إلى هذه الالتفاتات المترادفة في هذه الآية الواحدة التي جاءت لمعان اختصت بها، يعرفها من يعرفها، ويجهلها من يجهلها.

ومما ينخرط في هذا السلك الرجوع من خطاب الغيبة إلى خطاب النفس، كقول تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ، فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} ١.

وهذا رجوع من الغيبة إلى خطاب النفس، فإنه قال: {وَزَيَّنَّا} ، بعد قوله: {ثُمَّ اسْتَوَى} ، وقوله: {فَقَضَاهُنَّ} ، {وَأَوْحَى} ، والفائدة في ذلك أن طائفة من الناس غير المتشرعين يعتقدون أن النجوم ليست في سماء الدنيا.

وأنها ليست حفظا ولا رجومًا، فلما صار الكلام إلى ههنا عدل به عن خطاب الغائب إلى خطاب النفس؛ لأنه مهم من مهمات الاعتقاد، وفيه تكذيب للفرقة المكذبة المعتقدة بطلانه، وفي خلاف هذا الرجوع من خطاب النفس إلى خطاب الغيبة.

ومما ينخرط في هذا السلك أيضًا الرجوع من خطاب النفس إلى خطاب الجماعة، كقوله تعالى: {وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} ٢.


١ سورة فصلت: الآيتان: ١١، ١٢.
٢ سورة يس: الآية ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>