للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقد أكلوا منها الغوارب بالسرى ... وصارت لهم أشباحهم كالغوارب١

يصرف مسراها جذيل مشارق ... إذا آبه هم عذيق مغارب٢

يرى بالكعاب الرود طلعة ثائر ... وبالعرمس الوجناء غرة آئب٣

كأن بها ضغنا على كل جانب ... من الأرض أو شوقا إلى كل جانب٤

إذا العيس لاقت بي أبا دلف فقد ... تقطع ما بيني وبين النوائب٥

هنالك تلقى الجود من حيث قطعت ... تمائمه والمجد مرخى الذوائب٦

ألا ترى أنه قال في الأول: "يصرف مسراها" مخاطبة للغائب، ثم قال بعد ذلك: "إذا العيس لاقت بي" مخاطبا نفسه، وهي هذا من الفائدة أنه لما صار إلى مشافهة للممدوح، والتصريح باسمه خاطب عند ذلك نفسه مبشرًا لها بالبعد عن المكروه، والقرب من المحبوب، ثم جاء بالبيت الذي يليه معدولًا به عن خطاب نفسه إلى خطاب غيره، وهو أيضًا خطاب لحاضر، فقال: "هنالك نلقى الجود"، والفائدة بذلك أنه يخبر غيره بما شهده، كأنه يصف له جود الممدوح، وما لاقاه منه، إشادة بذكره، وتنويها باسمه، وحملا لغيره على قصده، وفي صفته جود الممدوح بتلك الصفة الغريبة البليغة، وهي قوله: "حيث قطعت تمائمه" ما يقتضي له الرجوع إلى خطاب الحاضر، والمراد بذلك أن محل الممدوح هو مألف الجود، ومنشؤه ووطنه، وقد يراد به


١ رواية الديوان "لها" موضع "لهم"، والغوارب الكواهل.
٢ الجذيل تصغير جذل، وهو عود ينصب للجربي لتحتك به، ومنه "أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب" على سبيل الافتخار، أبه أتاه ليلا، والعذيق تصغير عذق، وهو الفرع من النخلة.
٣ الكعاب بارزة النهد، الرود اللينة، الثائر طالب الثأر، العرمس الناقة الشديدة، الوجناء عظيمة الوجنتين.
٤ رواية الديوان "كأن به" موضع "كأن بها".
٥ العبس: الإبل البيض بشقرة.
٦ رواية الديوان:
هنالك تلقى المجد حيث تقطعت ... تمائمه والجود مرخى الذوائب
والتمائم: خرزات تعلق في عنق الصبي لدفع العين عنه، والمفرد تميمة.

<<  <  ج: ص:  >  >>