للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما ما إذا كان المعنى المقصود غير معلوم، وهو مما يشك فيه فالأولى أن يؤكد بالضميرين في الدلالة عليه، كقوله تعالى: {قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلَى} ، فإن موسى لم يكن متيقنا أنه غالب للسحرة، فلذلك أكد خطابه بالضميرين، ليكون أبلغ في تقرير ذلك في نفسه.

توكيد المنفصل بمنفصل:

وأما توكيد المفصل بمنفصل مثله؛ فكقول أبي تمام١:

لا أنت أنت ولا الديار ديار ... خف الهوى وتولت الأوطار

فقوله: "لا أنت أنت ولا الديار ديار" من المليح النادر في هذا الموضع؛ لأنه هو والديار الديار، وإنما البواعث التي كانت تبعث على قضاء الأوطار زالت، فبقي ذلك الرجل، وليس هو على الحقيقة، ولا الديار في عينه من الحسن تلك الديار.

وعلى هذا ورد قول أبي الطيب المتنبي٢:

قبيل أنت أنت وأنت منهم ... وجدك بشر الملك الهمام

فقوله: "أنت أنت" من توكيد الضميرين المشار إليهما، وفائدته المبالغة في مدحه، ولو مدحه بما شاء لما سد مسد قوله: "أنت أنت"، أي أنك المشار إليه بالفضل دون غيرك.

وأما قوله: "وأنت منهم"، فخارج عن هذا الباب، وهو كلام مستأنف لا يتعلق بتوكيد الضميرين، كأنه قال: أنت الموصوف بكذا وكذا، وأنت من هذا القبيل، يريد بذلك مدح قبيله به.

وهذا البيت لم أمثل به اختيارًا له واستجادة، وإنما مثلت به ليعلم مكان توكيد


١ ديوان أبي تمام ١٤٤، وهذا البيت مطلع قصيدة في مدح أبي سعيد الثغري.
٢ ديوان المتنبي ٤-٧٩ من قصيدة يمدح فيها المغيث بن علي العجلي، مطلعها:
فؤاد ما تسليه المدام ... وعمر مثل ما تهب اللثام

<<  <  ج: ص:  >  >>