لخفاء ما يستدل عليه، ولا يستنبط ذلك إلا من رسخت قدمه في ممارسة علم البيان، وصار له خليقة وملكة.
ولم أجد أحدًا علم هذين القسمين بعلامة، ولا قيدهما بقيد، وقد أشرت إلى ذلك فيما يأتي من هذا الباب عند تفصيل أمثلتهما، فليؤخذ من هناك.
فإن قيل: إن هذا التقسيم الذي قسمته في المحذوف، وغير المحذوف ليس بصحيح؛ لأن المعاني ليس أجساما كالألفاظ حتى يصح التقدير بينهما، ثم لو سلمت جواز التقدير في المساواة لم أسلم لجواز الزيادة، فليس لقائل أن يقول: هذا المعنى زائد على هذا اللفظ؛ لأنه إن قال ذلك قيل: فمن أين فهمت تلك الزيادة الخارجة عن اللفظ، وقد علم أن الألفاظ إنما وضعت للدلالة على إفهام المعاني؟، فإن قال: إنها فهمت من شيء خارج عن اللفظ، قيل له: فتلك الزيادة بإزاء ذلك الشيء الخارج عن اللفظ، والباقي مساو للفظ، وإن قال: إنها فهمت من اللفظ، قيل: فكيف تفهم منه وهي زائدة عليه، فإن قال: إنها فهمت من تركيبه؛ لأن التركيب أمر زائد على اللفظ، قيل: الألفاظ تدل بانفرادها على معنى، وبتركيبها على معنى آخر، واللفظ المركب يدل على معنى مركب، واللفظ المفرد يدل على معنى مفرد، وتلك الزيادة إن أريد بها زيادة معنى المركب على المركب، فلا يخلو: إما أن تكون تلك الزيادة مفهومة من دلالة اللفظ المركب عليها، أو دلالة شيء خارج، فإن كانت مفهومة من دلالته عليها لم تكن زائدة عليه، إذ لو كانت زائدة عليه لما دل عليها، وإن كانت مفهومة من دلالة الشيء الخارج عنه، فهي بإزاء ذلك الشيء الخارج، والباقي مساو للباقي!
فالجواب عن ذلك أن نقول:
هذا الذي ذكره كلام شبيه بالسفسطة، وهو باطل من وجهين:
أحدهما: أن المعاني إذا كانت لا تزيد على الألفاظ، فيلزم من ذلك أن الألفاظ لا تزيد أيضًا على المعاني؛ لأنهما متلازمان على قياسك، ونحن نرى معنى قد دل عليه